حقيقة لا يمكن لأحد تجاهلها، أن ما حدث للاقتصاد السوري خلال سنوات الأزمة، لم يحدث لأي اقتصاد آخر، وسط ذهول أممي لحالة الصمود التي مازال يقودها اقتصاد وطني يحمل في كل يوم مفردات جديدة، تمكنه من حالة البقاء والديمومة، وسط بيئة هي الأسوأ في تاريخه، بسبب الحرب والحصار الاقتصادي، والعقوبات الظالمة عليه، وفقدانه معظم مكونات قوته الأساسية..!
الأمر الذي فرض على الحكومات المتعاقبة حالة المواجهة، أقل ما نسميها “ساخنة” لأنها تواجه استحقاقات ليست بالعادية، في ظل ظروف صعبة، نفتقد فيها معظم أدوات المواجهة، وتبني سياسة تأمين المطلوب عبر المتوافر من الإمكانات، وفرض حالة تنموية مستمرة تعبر عن قوة الدولة، تفرد أجنحتها على كل القطاعات الاقتصادية والخدمية، وحتى ما يتعلق بقوة الدفاع ضد الإرهاب وداعميه، وهذه مسلمات لا يمكن تجاهلها مهما كان مستوى النجاح أو عكسه، في القطاعات المستهدفة..!
لكن الذي أسس لقوة المواجهة هو الاهتمام بمكون “الإنتاج” وتبني سياسة داعمة له في كل الاتجاهات، وخاصة الصناعي منه، والذي حظي بالحصة الأكبر من هذا الدعم والعناية، على اعتباره المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية والمساهم الأول في توفير استثمارات جديدة، وزيادة فرص تكوين رأس المال وتنوع إنتاجيته..
كل ذلك فرض على الحكومات المتعاقبة، خلال سنوات الحرب حتمية “إعادة الترميم لمكونات الإنتاج ” وبناء ما خرب ودمر منه، وتوفير بيئة تمكينية تمثل مجموعة الإجراءات والقوانين، تسمح بتنظيم سلوك العمل الصناعي، وبناء قطاع قادر على حمل متطلبات قادمات الأيام، التي تهدف لتبني مشروع إعادة الإعمار، كمشروع وطني يحقق قوة الاقتصاد بأجنحته المختلفة..
من هنا كانت منظومة الدعم الحكومية التي قدمتها بمجموعة إجراءات تحمل المزيد من المحفزات، منها المالية والإجرائية، ضمن استراتيجية مكثفة تصب بمجملها في خانة إعادة تعافي النسيج الصناعي المتنوع بالإنتاج، والمردودية الأعلى من حيث “الربح والقيمة المضافة”، والبداية كانت بتخصيص قيم مالية ضخمة، لإعادة تأهيل البنى التحتية للمدن والمناطق الصناعية لضمان استمرار إنتاجيتها، وتحقيق معدلات نمو تتماشى مع حجم المطلوب على مستوى الاقتصاد والحالة المعيشية للمواطن، من دون أن ننسى ما قدم من تسهيلات وقرارات مشجعة لإحلال بدائل المستوردات، تشجيعاً للمنتج المحلي من جهة، وتخفيض فاتورة المستوردات من جهة أخرى، والذي ينعكس بالضرورة إيجاباً على استقلالية القرار الاقتصادي، وتشغيل اليد العاملة، وقبل الاثنين تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يؤمن الاستقرار الداخلي بكل أبعاده..
وهذا يدفعنا لمراجعة بسيطة لمئات القرارات والتشريعات التي أصدرتها الحكومات لتحقيق ذلك، وتأمين الدعم لتأمين بيئة “عمل صناعي” تكون بمثابة محفزات مشجعة للقطاعين “العام والخاص” نحو إنتاجية شاملة، تكون العصب المحرك لقوة الاقتصاد الوطني، والحامل الأكبر الذي يؤمن كل مفردات إعادة الإعمار..
لكن السؤال هنا: هل ترجمة هذا القرارات وحكايا الدعم على أرض الواقع بالصورة المطلوبة..؟ وهل بالفعل هيأنا البيئة المناسبة لزيادة فرص الاستثمار الصناعي..؟
ما يحدث في الأسواق في ميزان قوى السوق، والأسعار، وتراجع إنتاجية بعض القطاعات، رغم نتائجها الطيبة، يؤكد أن ما أنجز دون المستوى المطلوب.
والسؤال هنا: هل نؤمن الطريق الصحيح لترجمة كل ما أغفلناه سابقاً..؟
والجواب عند قادمات الأيام..