مساهمة القطاع الصناعي لم تنعكس على واقع التنمية بسبب التركيب البنيوي لقطاع الأعمال.. خبير اقتصادي يقترح إستراتيجية التشبيك الذكي 

تشرين– ماجد مخيبر:

ساهم القطاع الخاص بنسبة 70 % من الناتج المحلي الإجمالي لسورية عام 2010 أي بقرابة 42 مليار دولار بلغت حصة القطاع الصناعي منها قرابة 19 مليار دولار، أي بنسبة 30 % من الناتج المحلي الإجمالي وقرابة 45 % من مساهمة القطاع الخاص.

يعاني القطاع الخاص الصناعي من كون شركاته عائلية صغيرة تتسم بضعف أساليب إدارتها ودوران يدها العاملة وغياب دراسة متطلبات الأسواق الداخلية والخارجية

وبالرغم من أهمية هذه الأرقام التي تشير إلى أهمية القطاع الخاص من جهة ومدى مساهمة القطاع الصناعي المؤثرة في الناتج المحلي الإجمالي من جهة ثانية، إلّا أنّ هذه المساهمة لم تنعكس على واقع التنمية بنفس المستوى والسبب الرئيسي في ذلك هو التركيب البنيوي لقطاع الأعمال الصناعي في سورية، والذي يقوم على الصناعات التحويلية البسيطة ( والتي لا تعتبر صناعة فعلية)، وبالتالي لا تتضمن هذه الصناعات سلاسل قيم مضافة كافية لتحقيق التنمية بل تؤدي إلى تراكم وتركز الثروة على حساب عدالة توزيع الثروة.

ضعف القدرة التنافسية والتسويق

الخبير والباحث الاقتصادي فادي عياش يرى أنه بالرغم من نقاط القوة التي تتوفر عليها الصناعة السورية، فإن نقاط الضعف قد أثرت كثيراً، ما جعل أداء القطاع يتسم بالضعف عموماً، وفي دراسة لليونيدو حول الأداء الصناعي التنافسي (CIP) احتلت سورية المرتبة 75 من مجموعة 88 دولة لجهة الأداء الصناعي التنافسي والمرتبة 56 لجهة نصيب الفرد من القيمة المضافة المحققة من الصناعة التحويلية، والمرتبة 69 لجهة نصيب الفرد من إجمالي صادرات الصناعة التحويلية، والمرتبة 87 لجهة استخدام التقنية العالية في القيمة المضافة المحققة من الصناعة التحويلية والمرتبة 80 لجهة صادرات منتجات الصناعية التحويلية متوسطة وعالية التقنية، ويعود ضعف أدائه التصديري لضعف القدرة التنافسية وبخاصة ضعف أدائه التسويقي سواء من ناحية أساليب التسويق الفردية، والتي لا ترقى إلى مستوى طرق التسويق العالمية أو لغياب شركات متخصصة بالتسويق من ناحية أخرى.

وتتسم الصناعة التحويلية السورية بضعف تكاملها وترابطها الداخلي (عدا صناعة النسيج والصناعات الغذائية ومواد البناء)، لأنها تعتمد على تبعية كبيرة في الحصول على موادها الوسيطة ومستلزمات الإنتاج من الخارج إضافة للآلات ومستلزماتها.

المشكلات والتحديات قبل الحرب

كما يرى عياش أن نشاط البحث والتطوير الصناعي في القطاع العام الصناعي يبقى محدوداً للغاية، ولا يبدي القطاع الخاص اهتماماً أفضل بالبحث والتطوير كما يعاني القطاع كذلك من تدنٍ بالغ في المستوى العلمي داخل قوة العمل الصناعية ما ينعكس على تدني إنتاجية العامل في قطاع الصناعة التحويلية.

وتعاني الصناعة التحويلية أيضاً من ضعف التمويل وارتفاع تكاليفه وضعف مؤسساته وهذا يؤدي لاعتماد الصناعي على موارده الذاتية المحدودة مما يحد من حجم الاستثمار، ويحد بالتالي من عدد فرص العمل كما أنّ مؤسسات الخدمات المالية الأخرى كالتأمين وإعادة التأمين وضمان الصادرات وتمويل الصادرات وغيرها هي خدمات شبه غائبة.

تنحصر معظم الصادرات الصناعية بالمواد الأولية ونصف المصنّعة في حين تنحصر الواردات الصناعية بالمنتجات الجاهزة ونصف المصنعة ما يؤدي إلى خسارة القيمة المضافة

ويعاني القطاع الخاص الصناعي من كون شركاته عائلية صغيرة تتسم بضعف أساليب إدارتها ودوران يدها العاملة وغياب دراسة متطلبات الأسواق الداخلية والخارجية وضعف في التسويق وانخفاض مستوى التكنولوجيا المستخدمة والمحتوى التقني حيث تعود معظم خطوط الإنتاج إلى الثمانينيات والسبعينيات وبالتالي تحتاج إلى صيانات كبيرة تنعكس على تكلفة وجودة المنتج النهائي .

ومن المشكلات أيضاً، وفقاً لما ذكره الباحث، وجود عجز في الميزان التجاري مع خلل هيكلي في بنية التجارة الخارجية للصناعة حيث تنحصر معظم الصادرات الصناعية بالمواد الأولية ونصف المصنعة في حين تنحصر الواردات الصناعية بالمنتجات الجاهزة ونصف المصنعة ما يؤدي إلى خسارة القيمة المضافة التي يمكن أن تتحقق من تحول المواد الأولية ونصف المصنّعة إلى منتجات نهائية مصنعة محلياً، مع ضعف الاهتمام بالدور الكبير للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وهيمنة اقتصاد الظل على غالبية القطاعات الاقتصادية (التهرب والتجنب الضريبي) ما يضعف الأثر التنموي للقطاع الصناعي.

المشكلات بعد الحرب

كما تطرق عياش إلى التدمير المنهج للبنى التحتية والأساسية والطاقة مع تدمير القدرات الانتاجية (تدمير المصانع- سرقتها) وهجرة الصناعيين والرساميل الصناعية، إضافة إلى العقوبات والحصار والإجراءات أحادية الجانب الغربية، وتشدد الأطراف الدولية في تطبيقها، وكذلك الأزمة المالية اللبنانية مم أثر على إمكانات الاستيراد والتصدير والتمويل والتحويل، وبالتالي مضاعفة الأعباء والتكاليف، و تفاقم مشكلة التمويل سواء للصناعة القائمة المستمرة أو الصناعات الناشئة المنتقلة من مناطق الصراع أو الصناعات البديلة عن تلك المدمرة وهجرة الموارد البشرية والنقص الشديد باليد العاملة المؤهلة والخبيرة، وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية، وبالتالي تراجع شديد بالقدرة الشرائية للمواطن ما يؤدي إلى تحجيم الطلب وانكماش الأسواق وهذا يؤدي إلى تراجع العرض السلعي وبالتالي تباطؤ الإنتاج وتوقفه أحياناً.

ومن المشكلات الإضافية أيضاً التشريعات غير المتناسبة مع الظروف القاسية والتي ساهمت في تراجع الكثير من الصناعات ولاسيما التشريعات المتعلقة بالتعامل بغير الليرة السورية وحماية المستهلك والضرائب والرسوم المختلفة، مع تضخم التكاليف الصناعية بكافة أنواعها وبالتالي تضخم الأسعار.

فالحالة الاقتصادية العامة والتي تعاني من أخطر وأعقد وأصعب الحالات الاقتصادية وهي الكساد التضخمي الجامح وتوقف برامج المساعدات والدعم الذي كانت تقدمة المنظمات الدولية، مع تعزيز اقتصاد الظل وتراجع المنافسة ونشوء الاحتكارات الكبرى المعلنة والمستترة واستفحال التهريب ( للسلع القانونية) النظامي وغير النظامي وعدم وضوح الهوية الاقتصادية للاقتصاد السوري.

عدة إستراتيجيات جزئية

ووفقاً للباحث الاقتصادي فادي عياش فإنّ الإستراتيجية المقترحة للنهوض بالصناعة الوطنية هي إستراتيجية التشبيك الذكي للقطاع الصناعي، وتتضمن التشبيك بين مختلف القطاعات (عام وخاص)، والتشبيك بين الصناعة والقطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى والتشبيك العنقودي للصناعات الكبيرة والتشبيك العلمي والتقني.

وتقوم هذه الإستراتيجية على عدة إستراتيجيات جزئية أهمها: إستراتيجية التكامل (العمودي الأمامي والخلفي)، واستراتيجية التنويع الكلي (منتج – سوق)، وإستراتيجية التركيز والتخصص وإستراتيجية التضافر وإستراتيجية المزايا التنافسية.

تطبيق الحماية والدعم الذكي للصناعات التي تحقق القيمة المضافة والمزايا التنافسية من جهة وتحقق معايير الإنتاج الكمية والنوعية من جهة ثانية

وتطبق هذه الإستراتيجية على الصناعات الزراعية التصديرية، والصناعات المكثفة للتكنولوجيا، والصناعات ذات سلاسل القيمة المتكاملة، والصناعات الإستراتيجية السيادية، علماً أن التحديات التي تواجه هذه الإستراتيجية هي تحديات تشريعية وقانونية وتحديات التمويل والتكاليف ولاسيما الطاقة بالإضافة إلى تحديات الموارد البشرية.

الحلول المقترحة

كما تطرق عياش إلى ضرورة إصلاح القطاع العام الصناعي بالاعتماد على إستراتيجية التركيز والتخصص من خلال دمج وتجميع وتخصص المؤسسات والشركات التابعة له وفق معايير محددة.

وتحويل المؤسسات والشركات ذات الطابع الاقتصادي إلى شركات مساهمة عامة أو مشتركة وتحويل شركات ومؤسسات قطاع الأعمال الصناعي الخاص من شركات الأشخاص إلى شركات الأموال بمختلف أنواعها، مع التشاركية الاقتصادية (وليس المشاركة) بين القطاعين العام والخاص المحلي والأجنبي، واعتماد مبدأ منافسة الدولة عوضاً عن المنافسة الفردية للشركات الصناعية وإعداد خريطة استثمارية صناعية تتضمن الأولويات الصناعية المستهدف، وتحقق مفهوم المزايا النسبية على كامل الجغرافية السورية وتتضمن المدن الصناعية والمناطق الحرة والمناطق غير المنظمة أيضاً

وأخيراً تطبيق الحماية والدعم الذكي للصناعات التي تحقق معايير القيمة المضافة والمزايا التنافسية من جهة وتحقق معايير الإنتاج الكمية والنوعية من جهة ثانية، وتتضمن الإعفاءات والتسهيلات بأنواعها الإدارية والتنظيمية والمالية والتمويلية ودعم المخرجات عوضاً عن دعم المخرجات سواء في الإنتاج والتصدير والدعم الفني والتقني والإداري والمعيقات الجمركية لإحلال بدائل المستوردات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار