في الصباح الباكر، تستيقظ من دون نومٍ كافٍ بسبب الحرّ الشديد الذي يواصل ثِقْلَه النهاريّ غيرَ عابئٍ بتوقف المراوح والمكيّفات ونشاط البعوض الشّره، بعد أن فقدت فرح لقاء الفجر بفنجان القهوة الساخن لأن الزمن تغير أسرع من قدرتها على التغيُّر بما لا يُقاس!, هنا لا تكافؤ بينها وبينه لأن أمواجه أعلى وأعتى من قدراتها!, تنتظر الكهرباء لتشغيل السخان، ضنّاً منها على قليل الغاز المتوافر، بعد علمها أن الحصّة منه قد لا تتوفّر خلال تسعين يوماً. الكهرباء ليست مجانية والغاز ليس أغلى، لكنها تدفع بلاء ندرة النار المحتاجة إليها، حاجَتَها للتنفُّس، وفي انتظارها الممتلئ بالأمل، تفكّر بمحطة النّقل التي يجب أن تكون فيها بعد ساعة لتصل إلى عملها من دون تأخير، هي التي تخجل خجلاً شديداً من سَوْق الأعذار أمام زملائها، ومازالت تتعرق وتشعر بخفقان القلب كلما ساق أحدهم الباقة المعهودة من الأعذار: – الزحام شديد – حصل شجارٌ بين راكبين وأدمى أحدهما الآخر فاضطر السّائق للتوقّف حتى فُضّ الخلاف, – توقف السائق ربع ساعة ليعرف من لم يدفعْ الأجرة –, أحد الركاب سُرق هاتفه الجوال وبين التعاطف معه والنّزق الذي أصاب بعض الركاب من التأخير أمضينا نصف ساعة!, هي ما زالت حريصة على عدم تضييع قيمها لكنها يوماً بعد يوم صارت كمن يمشي على أرض مليئة بشظايا الزجاج!, كيف ستتدبّر غداء اليوم بعد أن فقدت القدرة على حفظ الطعام في الثلاجة, وصارت تسمع نكتة مؤلمة بأن ثلاجات البيوت استردّت خصائص «نملية» الجدات؟, ليست «نوستالجيا» بل خلل ضرب جزءاً من اتساقها مع الواقع وضرورياته واستخدام الوقت، ويا للوقت الذي صار يطحنها الآن وهي تراقب الساعة، وتفكّر بمغامرة استخدام موقد الغاز وتستجرُّ مخاوف قدوم شهور لا غاز فيها ولا كهرباء، والباب في هذه اللحظة العصيبة يُطرق فتندفع لفتحه من دون توقّعات!, التوقعات اختلفت منذ زمن، لذلك فتحت الباب مستعدة لكل احتمال!, قالت الجارة الجديدة، جامعةَ شعرها الفوضوي ببكلة وهي تتبسط ما استطاعت: أريد رغيفاً لإطعام الولدين قبل ذهابهما إلى الروضة، زوجي لم يستطع الوقوف بالدّور لجلب ربطة اليوم!, تقول في نفسها: أنا من يستطيع الوقوف بالدور لتأمين الخبز؟, وتقدم رغيفين مشفقةً على عائلة مشغولة باستقرارها ناسيةً خبزها، في زمنٍ صار يزوّدنا كل ساعة بأسباب القلق، لكأن حجارة الدومينو التي رتبناها واستندنا إليها قريري العين تهاوت دفعة واحدة، حيث كان القلق ناعماً يسميه ذوو التجربة والدراسات الهادئة بالقلق الوجودي، أما اليوم فبات قاسياً، ضاغطاً، ملحاحاً، مندفعاً بلا هوادة، نافذاً إلى كل تفاصيل الحياة، وهو من يدفعها، بلا رحمة، إلى تفقُّد مصباح الشاشة الدقيق بنظرة عابرة، والإصغاء إلى هدير مضخّات الماء،التي لطالما أيقظتها في ساعات الليل المتأخرة، لتبشّرها بمجيء الكهرباء، لكن الصمت الذي صار مقلقاً بعد عهد تفضيله، يواصل جثومه حولها وهي تلبس ثياب الخروج من دون قهوة: حسناً! كل هذا رجعُ صدى لشيء واحدٍ بغيض، اسمه الحرب على سورية، لكنها ستواجهه بأسلوب يجعل حياتها تنساب بآليات سلسة، فقديماً قالت جدتها وهي على فراش المرض: الحياة هبة لكنها ليست ورداً نقطفه في كل الفصول والمواسم!.