انشغلت الأوساط الثقافية ومجتمعات القراءة الأدبية خلال الأسبوع الماضي في أميركا والعالم بالذكرى الـ 122 لميلاد الروائي الأميركي العالمي أرنست هيمنغواي, وبرغم أن الظاهر يشير إلى كرنفال أدبي إلا أن الحقيقة تشي بتحول هذه الذكرى إلى عامل محفز للقراءة والنقاش حول الأدب فتصبح الرواية والأدب مادة للنقاش والآراء.
كما هي أساس للاحتفال والمهرجان يقول لـهيمنغواي: عيد ميلاد سعيد بابا هيمنغواي, ويشعل المحتفلون باسمه جذوة التفكير وإعادة النظر للراوية والأدب وأشكالهما ومضامينها.
في هذه المناسبة «الذكرى» أعادت الواشنطن بوست نشر المراجعات الأولى لكتب و روايات هيمنغواي ومع كل مراجعة يستعيد القارئ زمن الرواية ولحظة نشرها بكل ما فيه, كما يستحضر المطاع على المراجعة, الآراء النقدية الأولى لكل رواية من روايات هذا الكاتب وبالفعل هناك آراء نقدية قوية في هذه المراجعات الأولى وبعضها قاس, الأمر الذي يمنع تقدس هذه الروايات الذي يمنع مناقشتها, وهو السر الذي يحطم أي محاولة لتحويل هذا الكاتب إلى صنم يعبد أدبياً ولا ينافس, وهكذا فإن المراجعات, ومجمل نشاطات الذكرى تسير وفق معيار يقول: كان هيمنغواي مؤثراً, لدرجة حصوله على جائزة نوبل للآداب العالمية وجائزة بوليتزر للآداب الأميركية, وهما أرقى جائزتين في العالم و برغم جدارته بأن يكون أيقونة, لكن كل ذلك يتيح و يشجع ولا يمنع نقده و دراسته, والاختلاف معه من جديد وباستمرار.
أمران أحب أن أشير إليهما يحملان معاني كثيرة, الأول: أن هيمنغواي كما شرح في إحدى مقابلاته كان يكتب و هو واقفٌ إلى طاولة عالية يبتدئ نهاره باكراً بالكتابة, و يحافظ على وضعية الوقوف أثناء الكتابة ولا أعرف إن كان وقوفه أثناء الكتابة احتراماً لها أم تحفيزاً عصبياً للجسم ليدفع العقل ليمرر عبر اليد أرقى الأفكار والصياغات ، أم إنه لعلة مرضية تدفعه للوقوف أثناء الكتابة ؟؟ مهما كان الأمر فهذا هيمنغواي الذي لم يغب عن الساحة الأدبية برغم موته, ومازال عبر تأثيره واقفاً يثير الأفكار والنقاشات والاحتفالات حوله, وهذه كتابة يستمر بإنجازها واقفاً حاضراً مؤثراً، الأمر الثاني: أنه أوضح كم كان يراجع ما يكتب, و كم كان يصحح أو يجود ما يكتبه, حتى إنه كما قال: أعاد كتابة الصفحة الأخيرة من رواية الشيخ و البحر, أكثر من ثلاثين مرة لأن العلاقات بين الجمل لم تكن تعجبه و ظل يجود في كتابتها حتى حصل على أفضل ما وصل إليه بعد 36 محاولة, و هذا التجويد و التصحيح سر آخر من أسرار تميز هيمنغواي أو أي كاتب يريد أن يكون متميزاً.
ذكرى ولادة هيمنغواي مناسبة للقراءة و النقد و الإبداع, و ليست أبداً احتفالاً إنشائياً خطابياً يموت و هو يولد !!!