ليس للدروب عنوان إذا غاب المساء عن سريرته، وتخلى الرضيع عن شوق القمر لخط سيره بين النجوم.. ليس للعناوين مرساة إذا كان امتداد الهضاب لا يشكل الجزء الأهم من ذاكرة البحر.. ليس للمدن موانئ، ولن يكون للساحات رائحة الشوق إذا تخلت المدن عن قرطيها، وصارت الغيوم أرجوحة بلا دمع، بلا أجنحة تمجد حنين الأزهار إلى مستقرها بين يديكِ.
– اشتاقكِ: أقولها مع دمشق، ونغيب مع السنين كفصول بلا ذاكرة، لا أرض تستطيع أن تثني ركبتها لتجف البحار، ولا السماء قادرة على أن تكون بلا أبعاد .
بين المدن هناك ربطة عنق مجدلية، خيط سري يربط الأم مع جنينها، وشوارع تقبع على ضفتي القلب بخفقان المقهور من صلابة النوافذ عندما يأخذها الوجد إلى الحنين من دون أن تمتلك أشرعة: تسألني دائماً ما نفع دفتي إذا لم يكن صريري ناقوساً يحيل الفجر إلى المرتجى.
في دمشق، أيضاً، تلال من البوظة الشرقية، وعربات ملونة من الذرة الصفراء، وعلى جانبيها تومئ للجميع رائحة الزعتر البلدي، وما من مناداة تخفف التعب الجاري على رأسه أكثر من أصوات الباعة وهم يستعيرون صفات معروضاتهم من تفاصيلك لتكون أغنية تمجد جمالك، وكل ما احتفظت به الشام من رائحة الياسمين عندما كنت تسرقينها من أمها في «باب توما» ليكتمل بياضها بين يديك، كنا ندلق بردى بفنجان قهوة، وبكل ما تمتلكه شجيرات اللبلاب من أنوثة تتأبطين ذراعي، وتشكين لي ضيق حذائكِ.. في المرة القادمة سأنتعل حذاء بلا كعب، أفضل أن يكون لكَ أجنحة لتحملني معكَ إلى حيث يكون للعاصفة طعم النجاة، ولم يكن لدي سوى قلم أكتب الطلاسم البكر المؤلفة لأحرف اسمك ونحن نعبر من تحت قنطرة «باب شرقي» ونضحك، كما لو كنا ننعم بعقابٍ رحمنا من متابعة ما كنا نكرهه من دروس الفصل الأخير من السنة الدراسية ..
– هل كنا حينها في المرحلة الإبتدائية !!.
ما أعرفه أننا تقاسمنا المواسم في البعد، وكنت أنتظركِ على مفرق ما من العمر، حينها كان رحمنا دمشق، لكن المدن السورية الأخرى كانت تستحق أن نأخذ من سجلاتها رقم قيدنا، والخانة التي تؤهلنا للعودة إلى الشام كلما اشتاق قاسيون لقبلة القمر، ونضحك، ماذا تعني المدن، أي مدينة، إذا لم يكن لكَ فيها حبيبة، وتتمسكين أكثر بذراعي: /تهجرني العناوين إذا ما انحازت لأحدنا- دون الآخر – إشارة مرور !! /..
– هل تعبنا، ربما ضاقت بأرجلنا الأحذية، وقد تكون الدروب هي من تاهت بنا، وتبقى دمشق.