لست من المغرمين بمتابعة “الفيس بوك” وبذات الوقت لا أنكر متابعتي، شبه المفرطة، لما تمليه عليّ الشاشة الزرقاء، وبين الرغبة، ونقيضها تكمن المفارقات التي تطالبنا بأن نتقبلها، ونسير في دروبها طائعين، تماشياً مع ثقافة العصر: ثقافة العصر تطالبكَ بدورها بأن تجعل المفارقات حالة منسجمة مع ذاتها، ومع ذاتك أيضاً، كيلا تكون خارج دائرة المعاصرة!!..
أهي حكاية من حكايات جدتي، والتي يدور فحواها حول عدم قدرتكَ على مقاومة “سادية” نفسك ..
لاشك بأن الإنسان هو عبداً لحاجاته الملحة والاستراتيجية، في آن معاً، وليس هناك من شك بأن الإنسان، بذات الوقت، لهو المارد العاقل القادر على تسخير تلك الحاجات لصالحه ليكون سيداً عليها: هي مفارقة أخرى، رافقت ماضي البشرية، وكانت تسعى لخلق حالة من الانسجام بين الشيء ونقيضه، وقد استطاعت تلك الجدلية الارتقاء بمنجزات الإنسان الثقافية والتطبيقية إلى أن وصلت بنا إلى أعلى درجات السلم، وفي الآن باتت تطالبنا بالتخلي عن الانسجام، والخضوع التام لكل ما تمليه علينا الدرجة المعاصرة والتخلي، بشكل قطعي، عن استغلال طاقاتها الخلاقة لصالح متابعة الارتقاء بسلم الحضارة ، والذي من المفترض أن يعزز إنسانية الإنسان أكثر من السابق!!.
نحن نعيش في عصر تشظي المتناقضات على شكل شظايا حادة تدمي داخلنا، ولأن الأكثرية الساحقة – وهي الفئة المستهدفة فيما أدونه الآن- لا تستطيع مناقشة تلك المتناقضات، أو البحث عن حلول لانسجامها، من أجل أن تأخذ دورها الإيجابي في حياتنا الواقعية والروحية، فقد باتت تشكل في تشظياتها زوايا انعطافيه وحادة تدمي داخلنا، وضروريات المعاصرة معاً..
أكرر لا نستطيع مناقشتها، لدرجة بتنا مقتنعين بأنها هي السيد المطلق، المطالبين بالخضوع له دون أي قيد أو شرط!!..
– هل انتقل الإنسان المعاصر ليكون فرضية غير قابلة للانسجام مع بنيته التقليدية كإنسان مؤهل ليكون قراراً في عملية التطور، بالرغم من استعباد الحاجات اليومية الملحة له؟!..
– الإجابة سوف نجدها ونحن نتابع الصفحات الزرقاء، مضافاً لها “اليوتيوب”، والجمع الافتراضي الذي يخولنا لنكون جنوداً لا نتملك القدرة على إقامة حوار معها، أو اتخاذ قرار ايجابي يقوم لخدمة حياتنا. نحن متلقون سلبيون، تساعدنا “أدوات التواصل الاجتماعي” لنكون عبيداً مسخرين لقتل الزمن، قتل الوقت، بانتظار أن يأتي الموت القائم بذاته، كبديل موضوعي، وردة فعل مجانية، لكلّ ما كان يعكر صفوا حياتنا السابقة له، ويصرّ على أن لا نكون سوى كائنات هامشية يتقاسمها الضد، دون نقيضه ، ضمن هالة من فاقة وفراغ..!