الدور التركي في المشروع الأمريكي “الشرق أوسط الجديد”

إن المتتبع للأحداث السياسية يدرك أن هجمات الحادي عشر من أيلول شكلت نقطة تحول في منطقة الشرق الأوسط، حيث أحدثت تحولات جيوسياسية ما تزال تعاني منها دول المنطقة، وخاصة بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان، حيث أصبحت الدول العربية مكشوفة لكل من تركيا و”إسرائيل”، وازدادت شهية الولايات المتحدة للسيطرة على بعض الدول العربية من خلال خلق الفوضى في المنطقة تارة “بشعارات إرساء الديمقراطية والتخلص من الحكام المستبدين في العالم العربي”، وأخرى بإثارة النعرات الطائفية، الأمر الذي خلق أقطاباً سياسية وميليشيات عسكرية داخل العالم العربي، فاستغلت “إسرائيل” وتركيا تدخل الولايات المتحدة كقوة عظمى في المنطقة، وأسفر هذا التدخل عن تعاظم دور قوى إقليمية غير عربية مثل تركيا بعد احتلال العراق عام 2003.

واللافت أن مشروع الشرق الأوسط الجديد ما هو بجديد بل امتداد لمشروع ما يسمى بـ”القرن الأمريكي الجديد” على حد وصف قادة صنع القرار في الولايات المتحدة عام 1997، إذ يطمح البيت الأبيض من خلاله إلى تحقيق حلم “الإمبراطورية الأمريكية” بإقامة نظام ملكي يشمل تغيير خريطة الأمتين العربية والإسلامية.

بدأت الولايات المتحدة مخططها من خلال توثيق علاقاتها مع حلفائها لتحدي الأنظمة المعادية لمصالحها وعلى رأسها روسيا والصين، والتغيير السريع لجميع الأنظمة العربية والإسلامية الموالية لهاتين القوتين، وكان البدء بأفغانستان والعراق ومن ثم سورية، وجاء الدور التركي في هذا المشروع عبر حكومة العدالة والتنمية ذات التوجهات المحافظة والتي تتغزل ليل نهار في الدولة العثمانية ومحاولة إحيائها واستعادتها قبل عام 2023  ولاسيما بعد تسلم أردوغان مقاليد السلطة في البلاد، ما يدعو للتساؤل عن طبيعة الدور التركي في مشروع الشرق الأوسط الكبير؟

إن وصول حزب العدالة والتنمية في نهاية عام 2001 إلى الحكم مؤشراً على بدء الإستراتيجية الأمريكية الجديدة لجعل تركيا الدولة النموذج للاقتداء به، وهي الدولة التي تعد آخر محتل للدول العربية قبيل سقوط الإمبراطورية العثمانية، كما أدركت الولايات المتحدة حجم تأثير الدين الإسلامي في حياة شعوب منطقة الشرق الأوسط بمختلف الطوائف، فاستغلت ذلك، وهو ما أوضحه رموز من تنظيم القاعدة أثناء التحقيق معهم في أحداث الحادي عشر من أيلول، إذ أكد هؤلاء أن الإدارات الأمريكية تدعم الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط، ولا تعطي مجالاً للتغيير السياسي في داخل الدولة للحركات الدينية المعتدلة، مما يؤدي إلى الذهاب للتطرف الديني والعمل المسلح.

وتتركز طبيعة الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط ضمن المحاور التالية:

أولاً: التدخل الناعم قبل ما يسمى بـ”الربيع العربي”

ثانياً: دعم ما يسمى بـ”الربيع العربي” تحت مظلة “الديمقراطية”

ثالثاً: التدخل العسكري المباشر في بعض الدول العربية

لقد طوّرت تركيا علاقتها مع الولايات المتحدة وأصبحت مع الوقت رأس الحربة للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير وتجلى ذلك مع زيارات أردوغان المتعددة إلى الولايات المتحدة وظهوره شخصياً وهو يتحدث بأنه جزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتبنيه سياسة خارجية ذات مسحة دينية في مواجهة الغرب والشرق للتأثير في ذهن المواطن العربي، وهو ما بدا بوضوح خلال العقد الأول من الألفية الثانية، حيث تم تهيئة مسرح الشرق الأوسط لبزوغ نجم تركيا من جيد بعد أن خفت بسقوط الدولة العثمانية، كما ادعى أردوغان انتقاده لـ”إسرائيل” في صراعها مع الفلسطينيين على الرغم من قوة العلاقات التركية الإسرائيلية وزيارة أردوغان إلى “إسرائيل” عام 2005، ولعل انتقاد أردوغان لشمعون بيريز في مؤتمر دافوس عام 2009 كان أحد الحيل لدغدغة عواطف شعوب منطقة الشرق الأوسط، وعمل أردوغان على التقرب من دول الخليج ومصر وشمال إفريقيا، عن طريق البوابة الاقتصادية والسياحية والأمور الثقافية بهدف طي صفحة الإرث العثماني البغيضة التي كانت منفرة للعرب وعالقة في أذهانهم، وكانت تلك إستراتيجية ناجعة وتهيئة لصيد شيء ثمين، ولم يكتف أردوغان بذلك بل استخدم بعض الدول والقنوات العربية الفضائية كمحطات للترويج لسياسات حكومة العدالة والتنمية، كنوع من أنواع دس السم في العسل.

ثم بدأت تركيا المرحلة الثانية في مشروع الشرق الأوسط الكبير من خلال دعمها المظاهرات المناهضة للحكومات في بعض الدول منذ اليوم الأول لانطلاقها، ما أثار غضب الدول العربية من هذا الموقف المفاجئ لتركيا التي  شجعت ودعمت صعود تيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية بعد سقوط الأنظمة الحاكمة والمنتخبة ديمقراطياً في تونس وليبيا ومصر تحديداً، وبدأت تدعم هذه الكوادر السياسية وتنسق معها المواقف وتروج لهذا الصعود في المحافل الدولية وكأنه الحل والمسار الأفضل لقيادة المنطقة بعد المظاهرات التي أطاحت ببعض الحكومات.

كما رمت تركيا بكل ثقلها السياسي خلف تيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية واعتبرته الأساس لتنفيذ رؤيتها في المنطقة وهذا يتسق مع مشروع الشرق الأوسط الكبير باستبدال الأنظمة العربية بحركات وتيارات دينية هدفها تقويض قدرة الدولة وتهديد أمنها القومي فتتحول لدولة فاشلة قرمزية مسيطر عليها من ميليشيات مسلحة لا جيوش وطنية.

ومع مرور الوقت تحولت تركيا إلى أكبر داعم وممول “للتظاهرات” التي جرت في بعض الدول العربية ومنها سورية ضمن إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أصبح العدالة والتنمية جزء لا يتجزأ منه لتبدو تركيا وكأنها شرطي المنطقة وأحد أهم المحاور للضغط على دولها.

عن: مركز الدراسات الإستراتيجية العالمي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار