عندما فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية العام 2016 دعا قسم التاريخ في جامعة هارفرد أساتذته و طلاب الدراسات العليا و المهتمين من بقية الطلاب إلى ( ورشة تفكير) للإجابة على السؤال التالي : كيف سيكون تأثير ترامب و طريقته في الحكم على المجتمع و الدولة في أميركا ؟؟؟
و كان الباعث لهذا النشاط , و هذا البحث , و هذا السؤال أن ترامب غير سياسي !! ولم يمارس السياسة أبداً و أنه قد جاء من عالم السمسرة العقارية ، و كلها خبرات تتناقض مع الخبرة الضرورية للحكم و السياسة .
كان واضحاً من دعوة هارفرد و من النقاشات التي دارت و مدى الخوف لدى الدارسين في التاريخ على النظام الديمقراطي من ترامب و سلوكه الحاكم . و الحقيقة أن تخوفات هؤلاء المتعاطين مع التاريخ كأحداث منجزة و كاحتمالات مبنية على معطيات واضحة، الحقيقة أن تخوفاتهم كانت في محلها . و بالفعل فإن ترامب استطاع أن يعزل أميركا و ينفر حلفاءها، كما أستطاع أن يضعف من قوتها بإهماله لحلف “الناتو” و باستهتاره بأوروبا و الدول الخليجية و هذا ما فضح السياسة الأميركية العدوانية و الغادرة حتى بالحلفاء، و جعلها عارية بشكل أضعفها و أضعف ادعاءاتها بالريادة، كما أنه بإهماله و استكباره تجاه وباء “كورونا” في البداية جعل المدن الأميركية بؤرة موبوءة أودت بحياة حوالي مليون أميركي . كما استطاع بصهيونيته أن يقلب حلفاءه العرب ضده بنقله سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، و بالاعتراف التعسفي بضم الجولان السوري المحتل، و استطاع بعنصريته أن يعمق الشرخ العنصري في المجتمع الأميركي بعد مقتل جورج فلويد تحت ساق شرطي أبيض ، و انحياز ترامب إلى المتعصبين البيض …. و هكذا ترك ترامب الحكم بعد أربع سنوات و أميركا تعاني من الوباء القاتل و من نتائج انسحابه من اتفاقية المناخ و من العزلة عن الحلفاء، و من الفضيحة التي تسبب بها للسياسة الأميركية المتصهينة و العنصرية و المعتدية و الغادرة، و من الانهيار الإقتصادي نتيجة الإغلاق، و الأهم أنه ترك أميركا تعود إلى الانقسام العنصري البشع و تقف على شفا حرب أهلية جديدة .
لذلك بدأت جهات عديدة في أميركا و غيرها تبحث في ثغرات النظام الانتخابي التي تسمح لأمثال ترامب بالوصول إلى الحكم لمعالجتها ، كما أن البعض الآخر وجد أن أمثال ترامب ربما يكونون السبب في تراجع انتشار الديمقراطية على الطريقة الأميركية في العالم كما أكد ذلك مركز تشاتام هاوس .. و الأهم أن المصائب التي تركها ترامب ستأخذ وقتاً طويلاً لتعالج، و بعضها يستعصي على العلاج .
و الكارثة أن أحمقاً كترامب و بعد كل ما فعله مازال يحتفظ بشعبية تفوق الـ 40% في بلاده. أي إن تأثيره وصل إلى ضمير و وعي حوالي نصف الأميركيين ، و جعلهم ترامبيين غير قادرين على فهم مدى الإساءة التي تسبب بها لحياتهم و لصورتهم و لمعنى أمتهم ..
لا بد أن نسمع عن أبحاث هارفرد و غيرها حول تأثير فرد كترامب في الحكم و المجتمع، و لا بد أن يصبح من دروس التاريخ .
و الخلاصة الواضحة أن أحمقاً كترامب يستطيع بسياساته الحمقاء أن يضعف دولة عظمى كأميركا، و الأهم أن ترامب أظهر حقيقة أميركا و عدوانيتها و غدرها، و نزع عنها غطاء ادعاء القيم و حقوق الإنسان و الديمقراطية، فالتاريخ لا يرحم و حكمه أكيد و لو بعد حين ..