فرضيات العرض والطلب

في عصر التبدلات الكبرى والسريعة، والتي تداهم المجتمعات في صلب ثقافتها، يظهر المستحيل كشرطي مطلق الصلاحية، ليمنع التنبؤ بشكل القصيدة المعاصرة، وكيف سيؤول إليه الشعر في المستقبل، كون الحساسية الشعرية، بحد ذاتها، هي كيان ديناميكي، مستقل عن رغبة الشاعر، وبذات الوقت، مرتبط ارتباطاً كاملاً بالظرفية الزمانية والمكانية وتطوراتها وانتكاساتها، والتي لن تكف للحظة عن الالتصاق بالعالم الداخلي للشاعر، والسير به نحو الابداع، كبديل موضوعي، يتضح من خلاله الانسجام والضد، في آن معاً، على شكل قصيدة ..
تُنتش القصيدة بداخل الشاعر، على شكل فرضيات جامدة، تصاغ جوهرياً، ولمرة واحدة، كرؤية معبرة عن ردود فعل المبدع تجاه محيطة، وموقفه من العصر، فتغدو واحدة من المتغيرات الأكثر إخلاصاً لعملية النمو، ليس على صعيد الموقف المعرفي وحسب بل على صعيد اللغة، أيضاً، ومدى قدرتها على استيعاب تلك المتغيرات القسرية التي يفرضها، دون رحمة قانون العصر ..
سعت النظريات النقدية في السابق القريب، إلى تأطير القصيدة ضمن دائرة المفهوم التقليدي للشعر، مضافاً إليها بعض النقاط: الروتوشات الخداعة، ضمن مشروع الحداثة وما بعده، والذي دعا لتجاوز الماضي، دون الأخذ بالاعتبار لحركة التجديد القادمة من ثقة التكنولوجيا على فرض ثقافتها عنوة، على المجتمعات المعنية بإنتاج الحساسية الشعرية: إبداعاً وتلقي، ليأخذ الشعر الدور المنوط إليه تاريخياً، كنسق معرفي موازي لتطور العلوم التطبيقية .
-هل فشل الشعر في أخذ هذا الدور؟..
– ضمن إطار قدرة التكنولوجيا على أخذ دور الريادة، والسرعة السابقة لأي طموح يبتغي تشكيل حساسية شعرية لأي مجتمع كان، نستطيع الجزم في الحاضر، بأن القصيدة لن تنتظر سوى قرار مكبرات الصوت لإعلان موتها، أما إذا استمعنا بتمعن وحيادية، إلى النداء الداخلي لأي إنسان في وحدته الحديثة، فسوف يكون الإعلان عن ضرورة الشعر، هو الأهم في عصر الفاقة الاقتصادية والانسانية، المدعومة بوهم كماشة التكنولوجيا، وقدرتها على إحكام قبضتها على صدور وشفاه الجميع، ويبقى الخيار بين المقترحين رهين النقد والشعر ؟!!..
إذا كان ما تقدم، يدخل في عالم الفرضيات الصلبة، فمن ذات الصلابة مطالبة النقد والشعر، بتقديم فرضيات سائلة، وذات إمكانيات جذابة، وقدرة جديدة على التجريب والحوار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الابطاء والاستسلام، لن يكون هو الطريق الأسلم للنجاة مما تفرضه ،على مدار الساعة، العوامل المحيطة والتي باتت تطوقنا دائماً بنقاط دائرة العرض والطلب ..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار