أكد رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس أن الإجراءات الاقتصادية الغربية القسرية غير الشرعية المفروضة على سورية سبب معاناة شعبها مشدداً على أن سياسة الدعم مكون أساسي في اقتصاد سورية ولن يكون هناك تراجع عنه لكن قد تختلف أشكاله لضمان وصوله إلى مستحقيه.
وقال المهندس عرنوس في مقابلة مع قناة السورية الليلة: إن القرار الحكومي الأخير بتعديل سعر مادتي الخبز والمازوت من القرارات الصعبة التي أخذت وقتاً كافياً من الدراسة، فجميعنا يعرف أن ربطة الخبز تكلف الدولة اليوم 1200 ليرة سورية وليتر المازوت يكلفها 1967 ليرة وبالتالي فإن ربطة الخبز ما زالت مدعومة بألف ليرة وكذلك مادة المازوت المدعومة بنحو 1500 ليرة فما حصل هو تحريك بسيط عن الأسعار السابقة وليس زيادة وذلك لضمان استمرارية تأمين هذه المواد ولتبق الحكومة قادرة على ذلك، حيث ما زلنا نأخذ أقل من 10 بالمئة من قيمتها.
المهندس عرنوس أوضح أنه تمت دراسة هذا الموضوع في اللجان المختصة وفي اللجنة الاقتصادية وارتأينا أنه من مسؤولية الدولة حتى تبقى قادرة على الحفاظ على تأمين هاتين المادتين تحريك أسعارهما وخاصة أن التحريك ليس لإدخال إيرادات للدولة وإنما لتوجيه دعم معين من كل الشرائح إلى فئة مستهدفة وهي شريحة الموظفين والمتقاعدين الذين هم أكثر الشرائح تأثراً بتحرك الأسعار وزيادة الكلف في الوقت الحاضر.
وأكد المهندس عرنوس أن سياسة الدعم هي مكون أساسي في الاقتصاد السوري، والدعم ليس فقط للخبز وللمشتقات النفطية وإنما لكل شيء، فموازنة الدولة تأتي من شقين شق في الإيرادات وشق في الانفاق، ويأتي الإيراد من المشتقات النفطية وتصديرها وتصدير القمح والقطن ومن السياحة والضرائب التي تفرض على النشاطات الاقتصادية، فهذه هي مكونات واردات الموازنة، بينما الانفاق يكون بالرواتب والتعويضات والدعم الذي تقدمه الدولة، موضحاً أن تحريك السعر لا يعني دخلاً للموازنة؛ وإنما يعني تخفيض جزء من العبء عن الموازنة.
وأشار المهندس عرنوس إلى أن سورية كانت تنتج سابقاً 365 ألف برميل نفط يومياً؛ تصدر منها نحو200 ألف برميل وتستهلك 180 ألف برميل، لكن اليوم وبسبب سيطرة العصابات المجرمة والاحتلال الأمريكي على منابع النفط، فكل ما تستطيع الدولة تأمينه من المناطق الواقعة تحت سيطرتها هو 18 ألف برميل ما يعني أن هذا المورد الأساسي للموازنة أصبح الآن عبئاً عليها؛ حيث تشتريه الدولة بالقطع الأجنبي لتأمينه، ونحن عندما نقول: إننا ندعم هذا المشتق بأكثر من 75 بالمئة من قيمته؛ فهذا منتهى الدعم وليس تخفيضاً للدعم، وبالتالي لكي نستمر في تأمين هذه المشتقات كان هذا القرار ولم يكن من القرارات السهلة على الإطلاق، حيث رافقه الكثير من الإجراءات التي عملت بها الحكومة في سبيل ألا تلجأ لزيادات أكبر.
وبين المهندس عرنوس أن عائد المشتقات النفطية خلال الفترة الماضية كان 64 مليار ليرة شهرياً، أما ما ترتب على الموازنة العامة للدولة من زيادة الرواتب والأجور والتعويضات المعاشية للمتقاعدين فهو 84 مليار ليرة، وبالتالي هناك 20 ملياراً أكثر من هذه العائدات وهذه الـ 20 ملياراً جاءت من تحسين إيرادات الدولة من عمليات التحصيل وترتيب أولويات الدولة لبعض المشاريع لافتاً إلى أن المواطنين كانوا ينتظرون أن تكون هناك زيادات أكبر، لكن حتى وصلنا إلى هذه الزيادة حملنا الموازنة العامة للدولة 20 مليار ليرة.
وأوضح المهندس عرنوس أن موضوع زيادة الرواتب تمت دراسته على مدى أكثر من ستة أشهر من خلال لجان اقتصادية ولجان مجلس الوزراء واجتماعات ثنائية وبحث الآثار المترتبة على هذا الموضوع وكل الفريق الحكومي كان يرغب بأن تكون الزيادة مئة بالمئة والبعض طرح أكثر من ذلك، لكن هذا الكلام عندما درسناه بتمحص؛ بمعنى من أين تأتي الموارد وما هو منعكس هذا الموضوع على الميزانية العامة للدولة وعلى الواقع الاقتصادي في البلد.. تغيرت الأمور فالدولة لا تبنى بالعواطف والرغبات؛ بل تتطلب أن يكون هناك قرار مدروس.
وأشار المهندس عرنوس إلى أن هذه الزيادة “50 بالمئة للعاملين و40 بالمئة للمتقاعدين” كلفت خزينة الدولة 84 مليار ليرة، فكيف إذا أردنا الذهاب إلى زيادة مئة بالمئة فمن المؤكد أننا سنحمل الموازنة أعباء أكبر ويكون هناك تمويل بالعجز؛ والتمويل بالعجز يؤدي إلى تضخم والتضخم بدوره يؤدي إلى آثار كبيرة قد لا نلمسها بشكل مباشر لكن بعد عام أو عامين ستتحمل الميزانية الأعباء ونشعر أننا لو أخذنا القرار الصحيح وهذا ما تمت المفاضلة فيه حيث ارتأينا أن هذا الوضع ينقل الموظفين إلى درجة أفضل مما هم عليه الآن وتستطيع الموازنة تحمل هذا العبء الإضافي الناتج عن هذه الزيادة وبالتالي أخذنا هذا القرار بأن تكون زيادة الرواتب 50 بالمئة للموظفين و40 بالمئة للمتقاعدين.
وأشار المهندس عرنوس إلى أن هيكلة الاقتصاد من الأمور التي تحتاج إلى زمن وهي لا تأتي بين ليلة وضحاها أو بقفزات متسارعة، فالهيكلة تذهب دائماً إلى مرحلة متوسطة وأحياناً إلى مرحلة طويلة تحتاج إلى أكثر من 10 سنوات، وبدأنا بقناعة مطلقة أن هذا الدعم يجب أن تتم هيكلته ويجب أن تستفيد منه الشرائح الأكثر هشاشة في المجتمع، مبيناً أنه تمت دراسة قرار تعديل مادتي الخبز والمازوت بعد دراسة منعكساته على الزراعة وعلى الصناعة وعلى النقل وعلى كل هذه الأمور، بالتالي قررنا هذه الزيادة وعندما قلنا 500 ليرة لماذا لم نذهب إلى 600 أو 700 أو 300 فنحن درسنا القرار الذي يستطيع الاقتصاد تحمله وفي اليوم نفسه الذي أصدرنا فيه القرار بزيادة أسعار مادتي الخبز والمازوت تم تعديل أسعار النقل بين المحافظات وداخل المحافظات.
وأكد المهندس عرنوس أن سياسة الدعم هي مكون أساسي في السياسة الاقتصادية في سورية ولن يكون هناك تراجع عنه، لكن قد تختلف أشكاله وإعادة هيكلته لضمان وصوله إلى مستحقيه مبيناً أن هذا الدعم لا يشمل فقط الخبز والمازوت؛ بل التعليم والصحة والأدوية والري والزراعة وكل المناحي وعلى سبيل المثال الدولة تدعم الخبز يومياً بـ 5 إلى 6 مليارات ليرة، وهي لن تسحب إطلاقاً ملف الدعم، لكنها ستعيد هيكلته ليصل إلى الشرائح المستحقة.
ولفت المهندس عرنوس إلى أن الولايات المتحدة صعدت حربها الاقتصادية على سورية حينما شددت الحصار الاقتصادي والإجراءات القسرية أحادية الجانب وعرقلت وصول الاحتياجات الرئيسة والتي انعكست سلباً على كل ما يتعلق بما يحتاجه المواطن مبيناً أن ما يسمى “قانون قيصر” لم يكن أول هذه الإجراءات غير الشرعية ولا آخرها، فهذه الإجراءات فرضت على سورية منذ أكثر من عشر سنوات بأشكال متعددة وجاء “قانون قيصر” ليرفع درجتها حتى يمس الأصدقاء، لكن نحن كشعب سوري مطبق علينا منذ زمن وجاء حتى يطبق على الشركات التي تتعامل معنا.
وبين المهندس عرنوس أن الدولة تتكبد اليوم تكاليف إضافية نتيجة هذا القانون الجائر الأمر الذي دفعنا إلى الاعتماد على الذات والانتاج والتركيز على قطاع الزراعة ودعم الصناعة والمشاريع الصغيرة وإنشاء التمويل الصغير والتشديد الكامل على دورة عمل الإنتاج في كل الاتجاهات لتجاوز الآثار السلبية لـ “قانون قيصر” وأملنا كبير بشعبنا وبأنفسنا وبتوجيهات القيادة للتركيز على الاعتماد على الذات لنتخلص من هذه العقوبات واستطعنا إيجاد فرص ونجاحات كبيرة في هذا المجال.
ولفت المهندس عرنوس إلى أنه تم إنفاق أكثر من 62 مليار ليرة سورية خلال العام الماضي وهذا العام على تحسين شبكات المياه التي خربها الإرهاب كما تم تأهيل المنشآت الزراعية والمشاريع الزراعية مبيناً أن الحكومة ليست راضية عن مستوى الخدمات المقدمة، لكن لديها إمكانيات توظفها في الاتجاهات والأولويات التي تخدم أكبر شريحة من الناس، ونذكر هنا أنه تم في حمص أمس افتتاح مشفى بسعة 300 سرير بتكلفة تتجاوز الـ15 مليار ليرة وهذا إنجاز في ظل الحظر الجائر كما تمت إزالة التلوث من شاطئ طرطوس بتكلفة من 7 إلى 8 مليارات ليرة.
وبشأن وضع الكهرباء قال المهندس عرنوس: في سورية قبل الحرب كان لدينا تسعة آلاف ميغا ووصلنا إلى مرحلة أصبحنا نزود لبنان وبعض الدول بالكهرباء ورغم استهداف الإرهابيين لهذا القطاع لدينا اليوم قدرة توليدية قدرها خمسة آلاف ميغا يتم تشغيل 2300 ميغا والباقي يحتاج إلى محروقات وغاز والجميع يعلم أن الاحتلال الأمريكي والعصابات المجرمة يسيطران على النفط والغاز موضحاً أن تراجع وضع الكهرباء حالياً بسبب إعادة الكثير من القطاعات التي تعمل على الكهرباء للعمل، فهناك اليوم 54 معملاً في القطاع العام و80 ألف وحدة صناعية في القطاع الخاص تعمل وهذه تحتاج إلى كهرباء.
وحول موضوع سعر الصرف قال المهندس عرنوس: هناك تنسيق بين السياسة المالية والنقدية والاقتصادية وهذا مكننا خلال هذه الفترة من تثبيت سعر الصرف ومن تحقيق الغايات التي نعمل لتحقيقها، والكثير من المواطنين يقولون نحن أوقفنا القروض، نحن لم نوقف القروض إطلاقاً وهي متاحة للمشاريع الإنتاجية؛ بل عززنا التمويل الصغير وعززنا إلى حد الـ500 مليون وأكثر من 500 مليون ضمن برنامج زمني للتنفيذ؛ يعني اليوم لا يمكن أن يأتي شخص ويقول: أريد مليار ليرة سورية، وأعطيه ما يطلب؛ بل أمول له مشروعه بمليار ليرة لكن ضمن روزنامة العمل التي يقدمها وضمن برنامج تنفيذ عمل، وبالتالي هذا الموضوع هو الذي مكننا من الحفاظ على سعر الصرف.
وأضاف المهندس عرنوس: نحن دولة تعرضت للحصار لمدة عشر سنوات وأموالنا تسرق وللأسف اليوم كل العالم صامت حيث هناك كل يوم أسطول من الناقلات التي تسرق القمح والنفط السوري علناً، ويحاربوننا في لقمة العيش بسبب تمسك سورية بقرارها السيادي الذي لا تساوم عليه، ولولا الحرب الظالمة لكان اقتصاد سورية في وضع ممتاز، فالأمل كبير وشعارنا للمرحلة المقبلة الأمل بالعمل وتحت هذا العنوان ستوضع كل الإمكانيات، وبالتالي لا خوف على سورية لأنها تملك كل مقومات الاقتصاد، وكل ما تطلبه هو رفع الظلم عن شعبها ووقف سرقة ثرواته مؤكداً أن غد سورية ومستقبلها أفضل لأن اقتصادها متنوع وشعبها قوي ومقاوم ومنتج ومبدع.