هي الرغبة بالبكاء! تغمضُ عينيكَ على مِلحِهما وبكَ رغبةٌ بأن تتدفّقَ مثل نبع محبوسٍ منذ دهور، مثل صدى نايٍ قادمٍ من بدائيّةٍ سحيقة، وكماناتٍ تسيلُ وجعاً، ورنّاتِ بُزقٍ تكرُجُ مثل لؤلؤ الدمع، فيما الإيقاعُ خفقاتُ القلب وارتجافُ شِغافِه!.
هكذا كلما استمعتُ إلى موسيقا مسلسل (ضيعة ضايعة) أتكوّر على نفسي، وأعضُّ على شفاه خيباتي، ليست غصّةً على مشهد تمثيليٍّ، ولا حزناً من كلامٍ مؤلم يقوله الممثلون، ولا بكاءً مِن خطايا أيقظها حوارٌ حقيقيّ ولم يُشفها الزمنُ بعد… بل كأنما في عملية محاكاةٍ أو تبادلٍ رمزيٍّ صرنا نحنُ تلك الشخصيات المزمنة في ضياعها، كأنّ بؤس الأيام وقهر العمر ووجع الروح صار متجسّداً على هيئة إنسان!.
كأنْ لا شهقةَ الكتابة تنفعُ، ولا يد الموسيقا الحنونِ تُربّتُ على كتفِ هشاشتكَ، ولا الضحكات التي تُصبّر بها قلبَ والديك، ولا كأس المتة التي تُعزّي نفسك بها آخر الليل في محاولةٍ أخيرةٍ لنسيانِ ما نحن فيه، نسيانِ ما لا يُنسى!.
كأنما بتنا عاطفيين زيادة عن اللزوم من كثرة الصفعات التي تلقيناها، كأنّ كلّ شيء حولنا أصبح (دراما بـدراما)، ندخلُ في مسلسل المعاناة ونخرج معطوبي الجسد والروح، ثم ندخل في مشاهِدَ من العوز والحرمان والقلّة وانعدام الضمير وجشع البشعين فنخرجُ يكادُ يُغمى علينا من فرط البشاعة وقلّة أوكسجين الجّمال، ثم ندخل في كادرٍ جديد بحجّة التنمية والمعاصرة فيما نحن نفكّر بعقلية القرون الوسطى؛ ترعبنا حريّةٌ على شكل صبيةٍ تركب (البسكليت)، ويخيفنا أن يُبدِعَ الشبابُ زمانَهم، ويبتكروا أيّامهم، ويعيشوا ما في قلوبهم من شغفٍ وعِشقٍ وانطلاقٍ وعناد وجنون!.
هي الرغبة بالبكاء يا أصدقائي، لا عيب فيها، ولا خجل، ولا مِنّة من أحد، ولا تشفياً…هكذا أستمع إلى موسيقا (ضيعة ضايعة)، أغمضُ عينيّ على بحرِهما، أفكّرُ بالراحل (نضال سيجري) الذي مرّت ذِكراه منذ يومين… وأكتب قوسَ الدّمع هذا.