كثيرون يروون ما يجري في أفغانستان ، على مرآة ما جرى في فيتنام . الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يذكِّر بانسحابها من فيتنام العام 1975 ، كلاهما هروب لجيش الدولة المتباهية بعظمتها بعد فشل في كليهما . اسمه الوحيد ( الهزيمة) ، و في كليهما تخلت هذه الدولة عمن ساعدها ، و غدرت بعملائها ، تخلياً لا يمكن وصفه إلا بـ( الخيانة )
تنسحب القوات الأمريكية من أفغانستان – غالباً تحت جنح الظلام – بما يمكن وصفه هروباً ، و يخطط “البنتاغون” أن ينتهي الانسحاب في 11 أيلول ، ذكرى الهجمات الإرهابية على نيويورك 2001 التي استخدمت كذريعة لغزو أفغانستان ثم العراق ، و الآن , بعد عشرين عاماً على الغزو الذي رفع شعار ( القضاء على الإرهاب ) تترك أفغانستان لحركة طالبان لتسيطر على البلاد ، مجسدة فشل و هزيمة أمريكا .
من يعرف خبث السياسة الأمريكية، يرى أن واشنطن تخلي مكانها في أفغانستان لتمكن طالبان من استعادة السيطرة، و لتعود البلاد مصدراً للإرهاب المهدد لدول الجوار ، و يأمل الأمريكيون أن يشغل إرهاب طالبان كلاً من الصين و إيران و روسيا ، و يستنزف قدراتهم . و هكذا فإن انسحاب أمريكا ليس هزيمة فقط، بل هو إعادة اعتماد أمريكية للإرهاب . في مواجهة خصومها ، و عودة أمريكية مفضوحة لاستخدام الإرهاب في تحقيق أهدافها .
و بمناسبة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ، تخلّوا عن الحكومة الأفغانية الموالية لهم، و تركوها للمتعاونين مع جيشهم فريسة لطالبان . لتقتص منهم و تعاقبهم . بهذه المناسبة سألت نيويورك تايمز بعض المحاربين القدماء الفيتناميين الذين تحدثوا عن خيبتهم من انسحاب الجيش الأمريكي من فيتنام ، و تركه الموالين له وحدهم بالمواجهة. و قال أحد هؤلاء : “كنا مستعدين للقتال ، متأهبين للاستمرار عندما تركَنا الأمريكان و ذهبوا .. و كان شعورنا وقتها أننا تعرضنا للخيانة ”
في أفغانستان – كما في فيتنام – لم يكتفِ الأمريكيون بعار الهزيمة ، أكملوه بعار خيانة حلفائهم ، و توَّجوه بتخليهم عمن يمكن أن يحاكم بالموت لتعامله معهم … و إذا كانت نيويورك تايمز هي من يصف عمل الجيش الأمريكي في أفغانستان كعملها في فيتنام بـ( الخيانة ) ، فقد شهد شاهد من أهلها.. و هذا بمنزلة اعتراف أمريكي بالهزيمة و الخيانة.