هل تستطيع اللغةُ محاربةَ البشاعة؟ هل تستطيعُ أحرفُ الأبجدية تخفيفَ ألم الناس؟ هل تنفع الكتابة في قولِ الخوف والبؤس والخذلان المعشّش في نفوس البعض؟.
يطلبُ منّي “أبو محمد” عاملُ النظافة أن “أكتبَ” عن العمّال المياومين والمتعاقدين الذين يمكن لتوقيعٍ واحد أن ينهي حياتهم المهنية بأكملها.. يطلب منّي أن “أكتبَ” عن مرضه المزمن، والآفات التي علقت في جسده وروحه من العمل بين أكوام الزبالة التي يرميها الناس من دون رحمة أو إحساسٍ بقهره، ووجع مفاصله، وضعف قلبه، ويسألني: «قولتك منعيش لنشوف أحفادنا»؟ كأنني لمجرّد معرفتي بالقراءة والكتابة يمكن بالنسبة له أن أصبح متنبّئاً يهدّئ القلوبَ المتعبة!.
ويطلبُ منّي صاحب مطعم الفلافل أن “أكتبَ” عن غلاء كلّ شيء، عن زيت القلي مروراً بالسمسم، والطحينة، والبهارات، و”بنزين” المولّدة في غياب الكهرباء (اللعينة)، وصولاً إلى إيجارات البيوت التي تقصم الظهر، وأقساط المدارس التي تخسف العمر!.
وأقول لهم: كتبنا، ونكتب، وسنكتب… لكنّي أكتمُ في نفسي: ومَنْ يكتبُ عنّا نحن الصحفيين؟ مَن؟
تسألني إحدى زميلات هذه «المهنة/المطحنة»: لماذا تسجِنُ نفسكَ في حقل الكتابة الثقافية؟.
أجيبها مبتسماً: بل على العكس تماماً! أنا «أحرِّرُ» نفسي من سجن الواقع الكارثيّ، أُسيّجُ روحي بالوردةِ والشِّعرِ والسينما، وأفتحُ عقلي للريح والغناء والموسيقا كي لا أسمحَ للواقع بأن يحوّلني إلى “وحش”!
نعم، نحن كائناتٌ لغويةٌ تقتاتُ على أحرفِ الأبجديّات كي نحمي أرواحنا من عضّات القهر، وقلّة الحيلة، و”دويبات الملل”.
نحن كائناتٌ تحيا باللغة؛ كتبنا، ونكتبُ، وسنكتبُ… كي نخفّفَ عن أنفسنا رعبَ الفناء… كي لا نموتُ مجّاناً!.