الروائي والوعي

اشتريت كتاباً، اعتماداً على اسم المؤلف الشهير، الذي احتفى به النقاد ولاقى رواجاً منقطع النظير، باعتباره “أمير” القصة العربية وفي تعريف آخر “تشيخوف العرب”، ومُجِّد لأنه طبيب وقاص ومسرحي وصحفي ومفكّر وصاحب جوائز رفيعة بسبب أعماله التي تجاوزت العشرات!.
صُدمتُ حين وجدت الكتاب لا يمتُّ إلى الرواية والقصة بصلة! ثم واسيتُ نفسي: حسناً! سأقرأ الفكر الصّرف لكاتب عملاق، بعيداً عن “الرسائل المضمَرة” التي حفلت بها أعماله وجعلته أحد المبدعين العرب القلائل الذين تُرجمت أعمالهم إلى لغات أخرى! ثم صُدمت لأن الكتاب بلا تاريخ إصدار، وكأنه ورق طفا على ماء بالمصادفة! هل هناك كتاب في العالم تطرحه مطبعة من دون ذكر تاريخ الطبع؟ ثم واسيتُ نفسي: سأتعرّف على زمنه من خلال المقالات المجموعة فيه! الأديب مهموم ببنية مجتمعه وبموقع المرأة المظلومة التي يجب أن ينتصر لها! ومهمومٌ بتفكك الأسرة ويجب أن يستردّ قيم بنائها! وحين استوقفته المعارضة ضد “السّادات” سلك مساربَ دقيقة ومراوِغة ليكون ناصحاً مرشداً لـ”الطّرفين” المختلِفين وتجاوزتُ الموضوع على عجل، لأن فيه ما يكفي من الإشكاليات التي عصفت في الوطن العربي في تلك الحقبة السوداء! لكن حين وصلت إلى مقالته “بدلاً من تعذيب النفْس فلنبدأ نفكّر” اهتممتُ بالفكرة وباشرت القراءة بشغف، لكن الروائي الذي دعا إلى التفكير بصيغة فعل الأمر: “فلنبدأ” بدا لي شخصاً خرج من “غرفة التفكير” من دون عناء التفكير، إذ وهو يتحدّث عن تدهور الأحوال العربية يضع كل الأنظمة في سلة واحدة لا تمايزَ بين ملكية بلا دستور وجمهورية تحت مشرط الدول الاستعمارية، وفي القضية الفلسطينية كل خلافات التنظيمات جذرُها قبلي، أما سورية فتتذبذب في مواقفها تجاه القضية الفلسطينية حسب قدرتها على الإمساك بالقرار الفلسطيني وعلى هذا تبني تحالفاتها مع الدول المجاورة، بما يتطابق مع سلوك “السادات” والجارة ليبيا! ويحلل طويلاً قبل الوصول إلى لبنان مع سؤال: هل هناك حرب تحرير؟ ويرى أنها نزاعات قبلية بين الطوائف.
هكذا يرى “الروائي العظيم” توصيف المرحلة الراهنة في تاريخنا، ويستطرد؛ إن القبلية نظام بدائيّ للوجود لم يختص الله به العرب وحدهم، ولكنه موجود في مجتمعات إفريقية بدائية أخرى! وأن معجزة “النفط” كان يمكن أن تحلّ مشكلتنا القبلية، لكنها للأسف شوّهَت قبيلتنا الأولى!!.
لم يصُغ الكاتب في نتاجه الغزير قصة ضعيفة مضعضعة مثل هذه الآراء التي طرحها على أنها جديدة، تحرث الوعي، وتحفز على النهوض فوق جلد الذات، وهو يمحو بمنتهى البساطة، التاريخَ بكل عصفه الاستعماري والاستيطاني على طريقة قصة قصيرة كتبها عن فتاة تدخن، ووراء هذا كلّه، جلدُ ذاتٍ قومية، حضارية، لأمة تحتاج إلى وعيٍ شاملٍ حين الكتابة عنها وعن مقاومتها، لا إلى روائيٍّ، خياله فقير ورأيه متهافت!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار