تحت عنوان (اللغة والشاعر) يتساءل (المقالح): لماذا تقدمت اللغة في العنوان على الشاعر؟.. ثم يأتينا بإجابة تقول: إن الكتابة الإبداعية تتطلب قدراً كبيراً من التركيز اللغوي، ومن الإدراك العميق للإمكانات التي تتمتع بها اللغة بوصفها أداة تعبير بالغة الثراء، والملاحظ أن أغلبية الجيل الجديد من الشعراء لا يرتبطون بصلة حميمية مع اللغة، لذلك تبدو نصوصهم فقيرة لغوياً، وهي غمزة صريحة تشير إلى فشل أدب الشباب في صياغة مشروع شعري رائد، وقوام هذا الفشل يتلخص: بأن الجيل المشار إليه، والذي أتى بعد مشروع الرواد، وبعد مشروع (ما بعد الحداثة) أي بعد أن أقفل القرن العشرون باب الاجتهاد للدخول في مدارسه التقليدية، يعاني من مشكلة لغوية، سابقة لمدوناته المنجزة بالفعل، كون اللغة، بوصفها الأداة الأهم بالكتابة الإبداعية، لا تكشف عن نفسها، ولا تمنح ثراءها العريض من دون مقابل، والمقابل حسبما أورده الشاعر العربي الرائد، (عبد العزيز المقالح) هو الجهد، والبحث الدؤوب، لا عن المفردات المألوفة، وإنما عن تلك المفردات التي تبدو غريبة، نظراً إلى أن المفردات المألوفة أضحت فاقدة الطراوة، ولهذا المستوى من الإشعاع مهما كان المبدع الذي يتعامل معها متمكناً، وقادراً على إعطائها ظلالاً جديدة غير مألوفة، أو سعى إلى وضعها ضمن تجربة جديدة، فإن كثرة استخدامها أفقدها كلّ ما كان لها من توهج ولمعان..
وإن كنا نتوافق مع (المقالح) بأن الشاعر مطالب بأن يقيم علاقة حميمية مع اللغة لتمنحه قدرتها الكامنة، من أجل الارتقاء بنصه إلى مستوى التجديد، فإن العجب يلازمني من اتهام (المفردات المألوفة) بعدم قدرتها على إبداع صور شعرية ترقى لمستوى القصيدة الحداثوية، وإن الأزمة الشعرية في القصيدة المعاصرة تُختصر بهذا الرأي، متناسياً بأن اللغة هي على علاقة جدلية، ليس مع الشاعر وحسب، وإنما مع العصر الذي ينتج حساسيته الشعرية من خلال مستجداته الاقتصادية، والتكنولوجية، والبيئية، والسياسية، إلخ، والتي تفرض بجملها، من خلال تصعيدها لغوياً إلى مستوى الفن، لتكون بشرى لقادمٍ، أو موقف رافض، أو شجن ووجد يقتحم الشاعر ليعبر عنه بقصيدة كبديل موضوعي لتلك الأحداث التي تلازم عصره، وتجعله ضمن دائرة وعيه الموضوعي، ومن هنا نستطيع تبرئة الشعر المعاصر من الفشل، لا بل إننا مطالبون بدراسة تلك الحساسية، من خلال ما تنتجه من صورٍ جديدة، وليس من خلال المفردات الغريبة، ولا بد من الإشارة إلى أن، ومن خلال المتابعة للمدونة الشعرية المعاصرة، سوف ندرك أن القصيدة الحديثة تعتمد على المفردات المألوفة لتشكيل صور جديدة غاية في المسؤولية والجمال، وفشل البعض في ذلك، لن يكون دليلاً على اتهام القصيدة بالفشل، أو بعدم الارتقاء باللغة إلى مستوى الشعر..