ورَدَ في نشرة أخبار علمية على إحدى الفضائيات خبرٌ عن أن الصين من أوائل دول العالم التي عدّت الهوس بالتكنولوجيا والانترنت خطراً بخطورة الإدمان على المخدرات.
إدمان!؟.. أي ذاك الشعور بأن فيروساً ينغل في الجسم ويتركه متلهّفاً لابتلاع كمية من المخدّر حتى يهدأ ويعود إلى وضعه الطبيعي بعيداً عن ضيق التنفس ورجفان القلب والارتعاش والقلق والغضب!
أهكذا هي أعراض الإدمان الإلكتروني إذاً؟! يجيب خبراء العلاج النفسي بـ«نعم» هي كذلك حسب التصنيف العالمي، ولكن ما يُعدُّ أكثرَ خطورة وأشدّ فتكاً في هذه المسألة هو ذاك الانغلاق على عوالم الشخص المدمن بعيداً عن حياته الاجتماعية و«اللمّات» العائلية والتواصل بالنظر، واللمسِ بالروح، والتفاعل بالرائحة وكيمياء النظرات مع الأصدقاء والصديقات رغم ما توحي به وسائل التواصل الاجتماعي تلك من رحابةِ الانفتاح على الآخرين ووهم الحرية اللذيذ في قول ما نريد ومتى نريد.
لكن لِمَ نذهبُ بعيداً، وهل نحن، أو بعضنا، بعيدون عن الدخول في مصيدة الإدمان الإلكتروني، هل انتبهنا إلى أنفسنا، وعدد الساعات التي نقضيها متنقّلين بين الموبايل والكمبيوتر، في العمل والمنزل ووسائل النقل، وحتى في فراش النوم وخلف جدران الحمّامات؟ هل انتبهنا حقيقةً كيف أصبحت «الموبايلات» في أيدي أطفالنا مثل أحد أعضائهم أو قطعةً من أجسادهم واللعبة المفضلة لهم.. لا ينامون إلا وهي في أحضانهم، ولا يتوقفون عن البكاء حتى نعطيهم إياها؛ فيبدؤون بكبس أزرارها مستمتعين بذلك «الإدمان» المبكر جداً على ملمسها ونغماتها وأضوائها الليزريّة!.
لكن ما المشكلة؟! أعتقد أن المشكلة سنجدها بالتسليم الكامل لهذه الأجهزة «المخيفة» – رغم أهميتها وضرورتها بالتأكيد – لأننا، وبنوعٍ من التخيّلٍ العلميٍّ، سنصل إلى يوم ليس فقط سننسى فيه مثلاً طعم المتعة المتحققة من قراءة الكتب كمصدرٍ للمعرفة، وملمس الورق ورائحته والذكريات والورود المجففة التي خبّأناها بين طيات الكتب، بل ربما لن يقدر كلُّ واحد فينا على التواصل حتى مع نفسه قبل أن يضغط على «زر التشغيل» الموجود على صَدغه.. مع تلك الرنّة المألوفة والمُسكِرة التي تعني: بإمكانكم البدء أيها الروبوتات!