مع إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قرارها الانسحاب من أفغانستان بحلول الـ 11 من أيلول المقبل بدأت وزارة الدفاع «البنتاغون» ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي ايه» بالبحث عن بدائل للوجود العسكري الأمريكي الصريح عبر إنشاء قواعد عسكرية جديدة في دول مجاورة مثل باكستان التي رفضت على لسان رئيس وزرائها عمران خان استخدام القوات الأمريكية أراضيها لهذا الغرض.
خان أكد في مقابلة مع موقع إكسيوس الأمريكي قبل يومين أن بلاده لن تسمح مطلقاً لوكالة «سي آي ايه» باستخدام قواعد على أراضيها للقيام بمهام مكافحة الإرهاب عبر الحدود بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في الوقت الذي أكدت فيه تقارير و وسائل إعلام أمريكية عدة أن مسؤولي الوكالة ينظرون باتجاه اسيا الوسطى لإنشاء قواعد قريبة من أفغانستان ويبحثون بحسب صحيفة نيويورك تايمز عن بدائل للحفاظ على عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية عبر إبقاء شبكة من المخبرين التابعين لهم.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية تحدثت في وقت سابق عن التوسع العسكري الذي تأمل واشنطن بتحقيقه بعد انسحابها من أفغانستان والخيارات المطروحة أمامها لإقامة قواعد عسكرية جديدة تستوعب بحسب قولها الأفراد والطائرات من دون طيار والقاذفات الجوية والمدفعية الأمريكية.
خبراء ومحللون أدلوا بآرائهم حول الانسحاب الأمريكي من أفغانستان اعتبروا هذه الخطوة بأنها مجرد استعراض سياسي أو محاولة جديدة من قبل واشنطن لنقل هيمنتها العسكرية إلى مواقع أخرى في آسيا دون وجود نية حقيقية لديها بإنهاء الحرب التي أدت إلى مقتل وتشريد عشرات آلاف المدنيين الأفغان.
خطوة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان أثارت كثيراً من التساؤلات والشكوك حول الغرض الحقيقي منها ومدى جديتها نظراً لحقيقة أن الانسحاب لن يشمل المتعاقدين مع «البنتاغون» أو عملاء الاستخبارات الأمريكية وغيرهم من المرتزقة العاملين لصالح واشنطن.
وفي هذا الإطار رأى الكاتب والمحلل الأمريكي بيل فان أوكين أن الولايات المتحدة تهدف إلى تجهيز قواعد جديدة لبسط هيمنتها فهي تتطلع إلى توسيع وجودها في آسيا مع مواصلة الحرب في أفغانستان عبر أذرعها أو غاراتها الجوية بطائرات دون طيار.
أوكين أوضح في سياق تقرير نشره موقع وورلد سوشاليست الأمريكي أن العدد المعترف به رسمياً للجنود الأمريكيين في أفغانستان يقدر بنحو 3300 لكن الأمر في حقيقته الكارثية لا يقتصر على عديد الجنود الذي يبلغ أكثر من هذا الرقم بكثير فهناك أربعة اضعاف هذا العدد من المتعاقدين الأمريكيين بمن فيهم أولئك الذين يشاركون بشكل مباشر في عمليات عسكرية وأمنية.
نية واشنطن الانسحاب من أفغانستان غير صادقة على الإطلاق بحسب أوكين الذي أكد أن الولايات المتحدة لا تعتزم إنهاء أطول حرب تخوضها بل تخطط لإكمالها بوسائل أخرى فالأمر يتعلق بمصالح جيواستراتيجية أكبر وأهم من أن تتخلى عنها.
الكاتب والمحلل الأمريكي جيريمي كوزماروف اعتبر بدوره أن بايدن لن ينهي الحرب على أفغانستان بل إنه يقوم فقط بـ «خصخصتها» مشيراً في سياق مقال نشره موقع غلوبال ريسيرتش الكندي إلى أن الولايات المتحدة حتى وإن سحبت جنودها المعلن عنهم سابقا إلا أنها ستبقي قوات خاصة أمريكية ومتعاقدين مع البنتاغون يقدر عددهم بـ 18 ألفاً إضافة إلى عملاء استخباراتيين و مرتزقة ومهندسين يسيرون طائرات دون طيار غالبية ضحايا ضرباتها الجوية مدنيون.
إعلان بايدن الانسحاب العسكري «لا معنى له» من وجهة نظر كوزماروف حيث أن بقاء آلاف المتعاقدين مع البنتاغون يعني أن الإدارة الأمريكية تعتمد استراتيجية تحويل الحرب لصالح الشركات الخاصة التي تشغل مرتزقة معظمهم جنود أمريكيون سابقون وذلك لتحقيق هدفين أولهما إخفاء التدخل الأمريكي في هذا البلد عن الرأي العام وثانيهما إخماد الأصوات المعارضة له في الداخل الأمريكي.
التدخل الأمريكي في أفغانستان فشل بحسب محللين بتحقيق أهدافه الاستعراضية المزعومة بالقضاء على الإرهاب أما أهم أسبابه فهي رغبة واشنطن بوضع يدها على مقدرات هذا البلد من المعادن بما فيها الذهب والنحاس والليثيوم على وجه الخصوص المستخدم في صناعة بطاريات الحواسيب المحمولة والهواتف النقالة إضافة إلى إيجاد موطئ قدم دائم لتحقيق أطماعها بالتوسع الاستعماري والهيمنة في الشرق.
«سانا»