تنظر ثقافات بشرية عديدة، قديمة وجديدة، إلى أنّ أمد الحياة الممنوحة للكائن البشري توريط للمولود في تجربة مريرة كان من الممكن أن يكون في غنى عن التورّط فيها. فالمولود مجبر على الانخراط في تجربة العيش، ضمن حيّز زمني محدّد بسقف أو جملة من السقوف التي يعجز الإنسان عن بلوغها إلا بوساطة الموت، وفي سياق الولادات البشرية التي لا تنتهي, يقول الشاعر الهندي طاغور: « كلّ ولادة جديدة يعني أن الخالق لم ييأس بعد من البشر». مع الشهقة الأولى التي يحدثها المولود تبدأ الساعة الزمنية الخاصّة دقّاتها الدالة على أنّ هذا الكائن الجديد قد بدأ يستهلك حصّته الخاصّة المقتطعة من جسد الزمان. لا شكّ في أن الكائن البشري المنخرط في ممارسة العيش يعي أنه يستهلك نصيبه المجهول من زمن حياته الشخصية، ولا شكّ أيضاً في أنّ الكمّية الزمنية التي يباشر الكائن البشري استهلاكها، قبل الموت، هي كمية مجهولة، متوقّعة، أو مأمولة، يمكن أن تدوم سويعات أو دقائق، ويمكن في بعض الأمثلة أن تبلغ رقم المئة عام، أو تتجاوزه، ولكن هذه الكمّية المتاحة متحدّدة مسبقاً بالمدى المتاح لكل جنس أو نوع حيّ، إذ لا يمكن أن تبلغ رقم مئتي عام من الأعوام المعهودة في أيّامنا خلال الحقب التاريخية المعروفة، أي العام المكوّن من ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً، واليوم المكوّن من أربع وعشرين ساعة. فالعام ليس هو نفسه لدى مختلف الثقافات البشرية التي يعتمد بعضها مقاييس مختلفة، بهذا المقدار أو ذاك، عن سواها. العام القمري على سبيل المثال أقل بعشرة أيام من العام الشمسي، والسنة الشمسية لدى شعب المايا في أمريكا الوسطى سنتان, واحدة كبرى، والصغرى تبلغ مئتين وستين يوماً، والأرض كانت تدور حول نفسها بسرعة أعلى من سرعتها الحاليّة، كان اليوم الأرضي أقلّ من اثنتين وعشرين ساعة، وفي زمن أسبق كان حوالي ثماني عشرة ساعة.
لكل كائن حيّ، أو لكلّ نوع حيّ سقوف يقف عندها بطبيعة الحال التي تنبّه إليها أرسطو منذ أزمنة بعيدة، فالإنسان لا يستطيع أن يبلغ طوله ثلاثة أمتار، ولا يعيش إلى عمر الـ (مئتي عام)، سواء أكان عمر الإنسان قصيراً أم طويلاً فإنه مرتهن بالعدّ الزمني الذي يبدو في بداية حياة الكائن عدّاً تصاعديّاً، لكنه في واقع الحال عكس ذلك تماماً، إنه عدّ تنازلي فعليّ، فكلّما انصرم يوم من حياتي يقلّ عمري يوماً، وأقترب من الموت والزوال بمقدار يوم.