تزعم الولايات المتحدة الأمريكية أنها تحارب الإرهاب وتقود “تحالفاً” دولياً على تنظيم “داعش” الإرهابي.
القراءة المتأنية لواقع الحال ومجريات الأحداث في المنطقة العربية على وجه التحديد تؤكد أن ما تفعله أمريكا بعيد كل البعد عن هذه “الأهداف” التي يجري التسويق لها.. بمعنى أن كل ما تقوم به واشنطن لا علاقة له بمحاربة الإرهاب.
الولايات المتحدة هي الأم التي تلد التنظيمات الإرهابية واحداً تلو الآخر وتؤمن لهم الدعم المالي واللوجستي من خلال وكلائها في المنطقة.
وهنا يطرح السؤال نفسه هل يمكن أن تكون أمريكا بالفعل تريد القضاء على طفلها المدلل الذي يحقق الأهداف التي تسعى لها جميع المخططات الغربية؟ هل أمريكا حقاً تحارب الإرهاب.. أم ماذا؟
إن الزعم بمحاربة “داعش” مثلاً، ليس هدفه القضاء على هذا الطفل المدلل، ولكن واشنطن تريد إبقاء الدول العربية في أتون الحروب وإنهاك قواها، وكذلك الاستفادة من شراء أسلحتها وترويجها في السوق العربية والخليجية على وجه أكثر تحديداً، بهدف الربح وهي لن تستغني عن خدمات هذا الوحش المتطرف فهو الشوكة التي زرعتها في ظهر العرب، ومن خلالها ستكون قادرة على أن تسلب أموالهم لشراء السلاح وتشتيت شملهم وتخويف أنظمتهم.
في أمريكا يقولون “إنها حرب ضد الإرهاب”. ونحن نظن أن حربهم المزعومة ضد الإرهاب بدأت منذ سنوات بل عقود، فهم قصفوا مدننا وقرانا وعواصمنا تحت مزاعم محاربة الإرهاب، احتلوا العراق، ويحتلون أجزاء من سورية ويسرقون خيرات البلدين ويدعمون الإرهاب واعتداءات “إسرائيل” المستمرة على الشعب الفلسطيني، وكل هذا والعنوان “محاربة الإرهاب”.
الإمبراطورية الأمريكية ماضية في غيها وبعض الحكومات العربية ماضية في خنوعها وفي ذلها في تعاملها مع واشنطن.
أمريكا تحتل أرضا سورية وتسرق ثرواتها في وضح النهار، وتهرب متزعمي “داعش” بما خف وزنه وغلا ثمنه، والقوات الأمريكية لها اليد الطولى في كل ما يحصل في العراق من فوضى، وعمليات اغتيال فضلاً عن ذلك واشنطن لا تريد سحب قواتها المحتلة من هذا البلد وقد بات هذا الأمر معروفاً ودفع العديد من القوى السياسية والنيابية لإعلاء الصوت مطالبين بوضع جدول زمني وحد للتجاوزات التي ترتكبها القوات الأمريكية.
ادعاءات أمريكا بمحاربة الإرهاب لا تنطلي على أحد، فدولة قامت على الإرهاب وقتل مالا يقل عن 3 ملايين من الهنود الحمر وإبادتهم لا تقوى ولا تستمر إلا على دعم وصنع الحركات الإرهابية في العالم، ولا يخفى على أحد من صنع تنظيم “داعش” وإخوته ومن دعم ومول الجماعات التكفيرية الإرهابية في منطقتنا لإشاعة الفوضى، وعدم الاستقرار، وترويع البشر، وتقسيم الدول، وإثارة الفتن والنعرات المذهبية في كل بقعة من بقاع وطننا العربي.
إن الذاكرة العربية التي تنظر إلى علاقات أمريكا بالوطن العربي لن تجد في ثناياها، حتى لو كانت (ليبرالية) ومن دعاة (حوار الحضارات) إلا مسلسل اعتداءات أمريكية لا ينتهي، كأن العلاقات العربية- الأمريكية لا تستوي إلا في علاقات السيطرة والإخضاع، أو في إطار التحدي والمواجهة والهزيمة، ولذلك لا يبدو الوطن العربي من وجهة نظر الولايات المتحدة سليماً ومقبولاً وفاضلاً إلا إذا ارتضى المعايير الأمريكية، فإذا رفض حلت عليه صفات الديكتاتورية والإرهاب وسقطت عليه القنابل.
ما تقوم به الولايات المتحدة هو أكبر تلفيق وكذب ونفاق دولي في ادعائها بأنها تحارب “داعش”. والحقيقة هي أن أمريكا تتخذ من “داعش” جسر عبور لعودتها للمنطقة وبالتالي هي قسمت الإرهابيين في سورية قسمين: قسم ادعت أنها تلاحقه وهو من منتجاتها وهو “داعش” وقسم وعدته أن يحل مكان “داعش” وينشر الإرهاب في سورية.
أمريكا ترفع اليوم لافتة محاربة الإرهاب وتعمل من أجل تحقيق شعارات أخرى.. لهذا فإن الحملات الأمريكية هي حملات منافقة كاذبة، لن تستطيع أن تؤثر على مجريات الأحداث إلا إذا شاءت أمريكا أن تغير هذه السياسة وتتعاون مع القوى الحقيقية المعنية بمحاربة الإرهاب.. ولكن هذا الأمر نراه بعيداً عن التحقيق.
الكل يعلم أن ركائز السياسة الأمريكية في المنطقة تتلخص في أمرين: ضمان تفوق “إسرائيل” ووضع اليد مباشرة على منابع النفط. وكل ما يخدم هذين الهدفين الأساسيين هو الأساس والباقي تفاصيل لا قيمة لها.
“داعش” ينفذ الأجندة الأمريكية في تفتيت الدول العربية لحماية “إسرائيل”، وخلق الفتن في الدول عبر اتباع طريقة “جنكيز خان” بإفراغ المدن من أهلها بعد بث الرعب في المناطق المجاورة ومن ثم السيطرة على ممتلكاتهم بالقوة والتنكيل.
وهذا يعيدنا إلى المعلومات والخلفيات التاريخية، التي تذكرنا بـ”زبيكنيو برجينسكي” مصمم مشروع “الأفغان العرب”، كمشروع أمريكي ناجح قاد إلى النمو المتفاقم للبنى التحتية للتنظيمات الإرهابية المتطرفة في العالم العربي.
الفيروس الذي زرعه برجينسكي، مفتخراً بأنه أحد أهم الإنجازات التي تمت خلال توليه مسؤولية مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض.
يومذاك كان لمشروع مكافحة الإرهاب تحت الشعار المعروف: “من ليس معنا فهو ضدّنا” إصدارات وأجيال جديدة من فيروس التطرف والإرهاب، ظهرت هذه الإصدارات في العراق بعد الغزو العسكري الأمريكي، حيث قتل عشرات آلاف العراقيين الأبرياء، وهجّروا الملايين منهم في كل إنحاء المعمورة. الإصدارات الجديدة من الفيروسات المتطرفة خطيرة جداً أكثر من السابقة، ويكفي أن نقارن إصدار نسخة “الزرقاوي” مع نسخة “الظواهري”، و”البغدادي” و”الجولاني” عندها سندرك كم تحول وتطور هذا الفيروس بعد دخوله إلى المنطقة إلى فيروس فتّاك مزمن متنقل بحريّة.
لم يتأخر “داعش” عن طمأنة صانعيه وبالذات الولايات المتحدة، بأنه عند حسن الظن وكل ما يفعله “داعش” اليوم، لا يتعارض أو يتعاكس مع المخطط الصهيو- أمريكي في المنطقة.
خلاصة القول، ما تريده أمريكا اليوم بعد فشل مشاريعها، الزعم بوجود عدو جديد واقعي وبالتالي تشغيل مصانع الأسلحة الأمريكية وشركات الأمن كـ”بلاك ووتر” وغيرها لعقود طويلة والمستفيد الأول والأخير هو الولايات المتحدة.
أكاديمي وكاتب عراقي