مئة سنة تشكيل
أكثر من إشكال لايزال يُخلخل المشهد التشكيلي السوري، مع إن عمر هذا المشهد، وأقصد بذلك مسار الحركة التشكيلية السورية المُعاصرة، بلغ المئة سنة، وربما أكثر بقليل.. صحيح ليس معروفاً قبل القرن العشرين، المئة سنة الفائتة، غير أن المخزون الفني السوري البصري، عتيق، وقديم قدم الأرض السورية، والبعض يعد إن الإرهاصات الأولى للفنون التشكيلية في العالم، ولدت في الديار الشامية، أو هي على الأقل مُتساوقة مع شبيهاتها في مختلف أنحاء العالم.
هنا على هذه الأرض العتيقة، عُرفت المنحوتة، وكذلك التمثال، والرُقم الطينية، وكذلك العمارة الفخمة في المدن القديمة، أو هي الأقدم على وجه الأرض.
برغم كل هذا المخزون من الميراث الفني القديم، والذي للأسف لم تكن مسيرته في نمو أو اطراد، وإنما كانت دائماً ثمة انتكاسات، توقفه حيناً، أو قد تُعيد به إلى الوراء، وللأسف في أحيانٍ كثيرة قد تُزيله عن وجه الأرض، حصل هذا في الأزمنة البعيدة، وحصل هذا اليوم، ومؤخراً خلال الحرب على سورية من جهاتها الأربع.
إشكالات ليست في الحالات العدوانية على الأعمال الفنية والتشكيلية وحسب، بل حتى في طريقة ترويج وقراءة ونتاج هذه الفنون، ابتداءً من المدارس وحتى التدريس في الكليات، بين اعتبار حصة الفنون بطراً وتضييع وقت، وبين دراسات أكاديمية اعتمدت النموذج الغربي، مُضحيةً بكل هذا العمق الفني المحلي، وبين نقد بالكاد يصل للتعريف بهذه الفنون، فما بالك بتحليلها ودراستها، ومن هنا تصبحُ الإجابة جلية عند السؤال: لماذا بقي العمل الفني أسير المُحترف والصالة التشكيلية، وبقي طوال الوقت نخبوياً بعيداً عن أي حالة جماهيرية أو شعبوية.
مع ذلك سأشير إلى أمر، وإن لم يصل لمرحلة الظاهرة للأسف، وهو أنّ النتاج الفني التشكيلي السوري الشّاب؛ نجده أحياناً يعكس انفتاح العاملين في حقله، على ما يدور حولهم خارج الأكاديميات. فقد تبنّى هؤلاء، أو بعضهم الاتجاهات والأساليب السائدة في الفن العالمي، كما اشتغلوا على تقاناته مدفوعين بنزعة البحث والتجريب والاستقلالية في آنٍ معاً، ومُحافظين في الوقت نفسه على إمكانية التواصل مع القطاع العريض من المتلقين برغم وجود صعوبات كثيرة تحد من نجاح عملية التواصل هذه.. أولها وأهمّها جدة الفنون التشكيلية بمعناها المُعاصر في المجتمعات العربية، وسطوة الأدب – خاصة الشعر – على الذائقة العربية.
فالعرب أمّة الشّعر كما يُقال.. وبرغم ذلك؛ بدأت العين العربية عموماً، والسورية خصوصاً تأنس، وتطرب، وتتعوّد لغة الفن التشكيلي الحديث، بما في ذلك لغة الفن التشكيلي الشّاب الصعبة حتى على المُتلقين في الدول الغربية التي جاءت منها هذه اللغة التي لم تُعانِ من فجوات انقطاع كما حدث في بلادنا، وساهمت هي الأخرى في توسيع الهوّة بين هذه الفنون والذائقة العربية.