اختصاصية اجتماعية: مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد أمن المجتمع وسلامته
طبيب نفسي: تقديم الدعم النفسي للمتعاطين وتهيئة الجو المناسب لعلاجهم
لم يكن يدرك الشاب الجامعي (ج- د) أن تعاطيه المنشطات بهدف الهروب من ضغوط الحياة التي عاشها أثناء الحرب على سورية من فقدان وغيره سيكون سبباً في تدمير حياته، فبعد أنّ أصبح المسؤول الوحيد عن مصروف أسرته بعد فقدان والده في الحرب، ازدادت الأعباء كثيراً، وما عاد قادراً على تحمل الضغوط، فبدأ بتناول المنشطات ظناً منه أنها ستنسيه بعض همومه، لكن وبعد فترة لم تعد المنشطات كافية، ليدخل بعدها في إدمان المخدرات، ومن أجل تأمين ثمن تلك المواد بدأ يعمل بتوزيع المخدرات والحشيش إلى أن انتهى به المطاف في السجن، ويعيش حالياً حالة من الكآبة الشديدة.
ولم يقتصر تعاطي المخدرات خلال الحرب على الذكور فحسب إنما الإناث أيضاً، فالسيدة (ن- ر) البالغة من العمر 29 سنة متزوجة ولديها طفل وحيد، انفصلت عن زوجها في عمر العشرين، وحاولت أن تعتمد على نفسها في ظروف حياة قاسية، ولم تكن تنتمي إلى هذا العالم الموبوء، لكن قسوة الحياة كانت أقوى، تعرفت إلى أحد الأشخاص، وكان سبباً في دخولها عالم المخدرات، وبدأت تهرب من مشكلاتها وأوجاعها عن طريق الإدمان، لكن ما حدث أنها سجنت مدة ستة أشهر بسبب التعاطي، وبعدها دخلت في متاهات أخرى لها علاقة بالدعارة وغيرها.
7670 قضية مخدرات
مدير إدارة مكافحة المخدرات العميد نضال جريج كشف لـ«تشرين» أن إجمالي قضايا المخدرات لعام 2020 بلغ 7670 قضية، في حين وصل عدد المتهمين إلى 9837 متهماً، لافتاً إلى أن نوعية المصادرات هي حشيش – حبوب كبتاغون- حبوب دواء نفسية – هيرويين – كوكائين – بذور القنب الهندي – الأمفيتامين- زيت الحشيش – نبات القنب الهندي.
وأوضح جريج أنّ الموقع الجغرافي لسورية وتوسطها القارات جعلاها بلد عبور بين الدول المنتجة للمخدرات والمستهلكة لها، ونتيجة للظروف السياسية والأمنية المعقدة تم استغلال الحدود المشتركة مع الدول المجاورة لتنفيذ الغايات الإجرامية، الأمر الذي يعزز الروابط بين العصابات الإرهابية وتجار المخدرات، مؤكداً أنّ المخدرات استخدمت كإحدى أدوات الإرهاب الموجه الذي تتعرض له سورية، فتجار المخدرات يطلبون الحماية لأنشطتهم غير القانونية والتنظيمات الإرهابية بحاجة إلى أموال لشراء الأسلحة والإنفاق على عناصرهم واستقطاب أتباع جدد، موضحاً أنّ فئة الشباب هي الأدوات التنفيذية المستخدمة من قبلهم، ما أدى إلى زيادة ظاهرة تهريب وتجارة وتعاطي المخدرات، وقد استخدمت المخدرات من قبل الإرهابيين لتقوم بتنفيذ مخططاتهم في هدم المجتمع والدولة، مبيناً أنّ إدارة مكافحة المخدرات تبذل جهوداً كبيرة كي لا تحقق المخدرات ما عجزت آلة الإرهاب عن تحقيقه خلال عدوانها الذي تمارسه الدول الطامعة بوطننا، علماً أنه تم إحباط العديد من العمليات الإرهابية وأيضاً تهريب المواد المخدرة والشبكات العاملة فيها، وشهدنا تطوراً في الكم والنوع في المواد المضبوطة، الأمر الذي يشير إلى زيادة المتورطين في هذا المجال، وتعدد وسائل التهريب والطرق المتبعة له، لافتاً إلى أنّ للتعاطي أنواعاً منها المتعاطي المجرب- المنتظم – المتعاطي العرضي – أو المتعاطي بالمصادفة والمتعاطي القهري.
معلومات غير دقيقة
وأشار العميد جريج إلى أنه تم تقديم معلومات غير دقيقة مع تهويل واضح وتعميم مبالغ فيه، حيث إن الإدارة تتوخى الدقة في متابعة كل المعلومات الواردة وترحب بأي تعاون يهدف لتجنب طلاب المدارس والجامعات أخطار المخدرات وعواقب تعاطيها، ويجري التعامل بحذر مع القضايا ذات الصلة بفئة الطلاب، حيث يتم التركيز على مروجي ومصادر المواد المخدرة، وفي هذا الخصوص فإن معظم الحالات تكون محدودة وفردية وتفيد المعلومات المتوافرة لدينا بوجود حالات لا يتم فيها تعاطي المخدرات الشائعة (حشيش مخدر- هيرويين – كبتاغون)، بل تجري إساءة استخدام للأدوية المسكنة والمهدئات والأدوية النفسية الموجودة في الصيدليات، علماً أن هناك عدة تعاميم صادرة عن وزارة الصحة ونقابة الصيادلة تنص على عدم بيع الأدوية النفسية إلا بموجب وصفة طبية رسمية صادرة عن طبيب مختص، وهناك تأكيد على هذه التعاميم وفق توصيات الاجتماع الأخير للّجنة الوطنية لشؤون المخدرات.
حالات فردية
وعن وجود شبكات للتهريب والترويج للمخدرات، بيّن العميد جريج أنه لا يمكن القول بوجود شبكات تهريب وترويج فلا تنطبق أوصاف الجريمة المنظمة على جرائم تهريب المخدرات والاتجار بها وترويجها في سورية، إنما هي حالات فردية تخص مرتكبي هذه الجرائم، وقد لوحظ في بعض القضايا تطور الأساليب الفنية في إخفاء ونقل المواد المخدرة واستفادة الفاعلين من العوائد المالية الكبيرة المتحققة من نشاطهم الإجرامي والتقدم التقني والوسائل الحديثة المتاحة، ورغم ذلك لا يمكن القول إن هناك شبكات أو جريمة منظمة بهذا الخصوص.
وختم بالقول إنه من الواجب التصدي للمخدرات باعتبارها إحدى أدوات الإرهاب المستخدمة للنيل من وطننا ومنعته وصحة أبنائه، حيث إن الجهود مستمرة دائماً لحماية الوطن وتحصين شبابه ولدرء خطر المخدرات وعواقبها.
دوافع الإدمان
المخدرات مرض اجتماعي، وتعاطيها له آثار مدمرة واضحة على الفرد والأسرة والمجتمع، حيث إنّ المخدرات والجريمة متلازمتان، ومن هنا تتطلب مكافحة هذه الآفة الخطيرة جهوداً كبيرة.. هذا ما قالته الباحثة الاجتماعية مي برقاوي التي أوضحت أن إدمان المخدرات من الظواهر الخطيرة التي تهدد العالم والمجتمعات خاصة فئة الشباب، حيث إنّ للإدمان دوافع وأسباباً، أهمها أسرية واجتماعية، منها سوء معاملة الأهل وعدم الاهتمام بالأبناء وكذلك التنشئة الاجتماعية غير السليمة، إضافة إلى ضغط الأصدقاء تحت مقولة «جرّب معنا ولن تندم»، بمعنى اعتماد الشاب أو الفتاة على مؤثر خارجي لتغيير الحالة المزاجية أو المشاعر والأحاسيس الداخلية المتعبة في الإدمان، مضيفة: إنّ أكثر فئة قابلة للاستحواذ هم المراهقون من الجنسين وفي ظروف مواتية وخاصة الذين يعانون من اضطرابات ومشكلات نفسية نتيجة فقدان أحد الأبوين أو تفكك الأسرة.
وأضافت برقاوي: من دوافع الإدمان أيضاً الفقر الشديد مقابل الثراء الفاحش والتبذير من دون حساب أحياناً، أو التعرض لعنف جسدي أو اعتداء جنسي، هذه المشكلات النفسية تقود الشباب إلى الإدمان، وأيضاً الظروف الطارئة كالحروب وتدني المستوى المادي للأسر، ما يؤدي إلى التسرب من التعليم أو الوحدة والعزلة، يقابلها الانخراط مع الأقران والغرق في الانحرافات السلوكية كالسرقة للحصول على المادة المخدرة من أجل الهروب من الواقع، وهناك كثير من حالات الاكتئاب الشديد ومن ثم الانتحار.
تأثير المخدرات على المجتمع
بدورها الاختصاصية الاجتماعية أسمهان زهيرة أوضحت أن للمخدرات آثاراً سلبية على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع، فعلى صعيد الفرد حيث يهمل أداء واجباته وينفعل بسرعة ويفتقد الحماس والإرادة لتحقيق واجباته، كما تؤدي إلى هبوط مستوى أخلاق متعاطيها (عدم الشعور بالمسؤولية، حب الذات، الاستهتار بالواجب)، كما لها ارتباط وثيق بالإجرام، فقد تكون جريمة ما ناتجة عن تهيج حادث من تعاطي المخدرات أو لاضطراب عقلي نتج عن الإدمان المزمن أو الرغبة بالحصول على المخدرات بطريقة غير مشروعة، وغالباً ما ينساقون وراء نزواتهم وغرائزهم الأولية. أما على صعيد الأسرة، فأشارت زهيرة إلى أن التعاطي يؤدي ضمن نطاق الأسرة إلى زعزعة بنية الأسرة الاجتماعية، كما يشكل عبئاً اقتصادياً شديداً على دخل الأسرة، فتسوء حالتها المعيشية من جميع النواحي وقد يؤدي ذلك إلى انحراف بعض أفراد الأسرة وإدمان بعضها الآخر وخاصة الأطفال، بينما على صعيد المجتمع فإن التعاطي يمثل مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد أمن المجتمع وسلامته وتنعكس عليه في مختلف نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، ومن هذه الآثار الانحدار الخلقي والاجتماعي وأيضاً اعتلال صحة المتعاطي التي تؤثر في المجتمع لكون الفرد جزءاً لا يتجزأ من مجتمعه، حيث إن التعاطي يؤدي إلى انتشار الأمراض الاجتماعية في المجتمع (الانتهازية – التواكل- الانعزالية).
ازدادت خلال الحرب
من جهته الاختصاصي بالعلاج النفسي الدكتور هيثم علي يقول: سورية قبل الحرب على سورية كانت بلد عبور وحالات تعاطي المخدرات قليلة، ولكن خلال الحرب ازدادت بشدة، وأصبحت ظاهرة ملحوظة بشكل كبير لاسيما بين الفئات العمرية الشابة، حيث إن الحرب وما سببته سواء من فقد – اكتئاب – قلق، ظروف مادية، كل ذلك أدى إلى تفكك الكثير من الأسر.
وأشار د. علي إلى ملاحظة مهمة، وهي أنه سابقاً كان التعاطي من الذكور فقط، أما حالياً فيلاحظ بين الإناث أيضاً، وهذا يعود إلى ضعف التماسك الأسري والتشتت اللذين تعرضت له هذه الفئة العمرية الشابة من الذكور والإناث، فيكون الإدمان هو أحد الطرق للهروب من أوجاعهم، وتدخل في متاهة شديدة لدرجة يصبح الإدمان هو الهدف الوحيد للشخص، لافتاً إلى أنّ أهم صفات المدمن أن مادة الإدمان تصبح محور حياته، وهناك الكثير من الشبان والفتيات الصغار في العمر مدمنون على الكحول أو المواد المنشطة والحشيش وغيرها.
تقديم الدعم النفسي
وبين د.علي أننا لا نستطيع القول إنّ الإدمان أصبح مستوطناً، لكنه أصبح ظاهرة، وانطلاقاً من ذلك فإنّ العمل النفسي يجب أن يكون موجهاً لكل الفئات العمرية عن طريق تقديم فرص دعم نفسي بهدف العلاج، إضافة إلى ضرورة دعم الأشخاص الذين عاشوا الحروب – العزلة والتفكك الأسري، لافتاً إلى أن علاج هؤلاء نفسياً يكون أولاً من خلال قطع الإدمان، ومن ثم البحث عن الظروف النفسية التي جعلته يلجأ إلى التعاطي نتيجة قلق أو اكتئاب أو خوف، مثال طالب جامعة يقول إنه يريد أن يدرس في الليل لذلك يلجأ إلى تناول منشطات، وآخر لديه مشكلة جسدية أو كآبة، فيتناول المنشطات بهدف تحسين مزاجه، فيقع في مشكلة أكبر لأنه يدمن على أشياء أخرى.
نصائح وحلول
هناك عدة حلول يجب اتباعها لحل مشكلات الإدمان، أهمها فهم المشكلة التي يعاني منها المتعاطي، حيث إنّ الحل لا يكون بالهروب، وإنما بمواجهتها، فعندما يشعر الشخص بأنه يعاني اضطراباً أو قلقاً، يجب أن يلجأ للجهات الطبية الاختصاصية، وكذلك دراسة أسباب وفرة المادة في السوق والحصول عليها، والأهم البحث عن وجود نواد لدعم الشباب والنساء أيضاً وممارسة الهوايات (رياضة – موسيقا)، هذه الأمور تعطي طاقة للشباب للتعبير عن أنفسهم حسبما قاله د. علي، الذي يضيف: الذين قدموا من الأرياف التي كان يسيطر عليها الإرهابيون، عاشوا تجارب قاسية جداً وكانوا ضحية، وحالياً ينخرطون في بيئة غير داعمة، كاشفاً أنه توجد في دمشق وريفها مناطق هي بؤر ازدادت فيها الدعارة – التعاطي، وهذا الجو مهيأ لمثل تلك الممارسات، لذلك يجب البحث عن جو بديل، مشيراً إلى أن ذلك من مسؤولية كل مؤسسات الدولة من وزارة شؤون اجتماعية والعمل وغيرها من أجل الحفاظ على مجتمع سليم معافى.