أخيراً – قبل أسبوع – اعترفت ألمانيا بمسؤوليتها عن ارتكاب جريمة إبادة جماعية في نامبيا، و وعدت بالتعويض المالي عن الضحايا، جاء الاعتراف الألماني بعد أكثر من مئة عام على ارتكاب الجريمة، فهل يغفر الاعتراف لألمانيا, جريمتها ؟ و هل يغسل التعويض يديها من دماء آلاف الضحايا الذين قضوا بهمجية و عنصرية و بربرية ؟؟
عندما استوطن الألمان نامبيا ، شمال غرب جنوب أفريقيا، قامت حركة مقاومة محلية ضدهم فقاوم الاستيطان الألماني أهالي المنطقة وأصحاب الأرض، و في مقدمتهم مجموعتان عرقيتان , هما (الهيريرو) و ( ناما ) ، فما كان من المستوطنين الألمان إلا أن أبادوا هذه المعارضة الشعبية وقتلوا 80% من الهيريرو و أكثر من نصف ناما، أطلقوا على بعضهم الرصاص و شنقوا البعض الآخر و ذبحوا البعض الثالث و من بقي حبسوه في معتقلات صحراوية ليموتوا من الجوع و من العطش و الإهمال … تصوروا حجم الجريمة الألمانية؛ قتل شعب لأنه عارض الاستيطان الغازي دفاعاً عن أرضه و حقه فهل من جريمة أبشع و أفظع ؟؟
يرى مؤرخون أن هذه المجزرة – الإبادة التي حصلت بين عامي 1904 – 1908 مهدت و سهلت الطريق إلى ما يسمى “إبادة المحرقة” و بينما خضعت ألمانيا للصهيونية و ابتزازها في قضية “المحرقة” تم تناسي إبادة نامبيا تماماً حتى العام 2007 ( لأن القضايا الفاقدة لإعلام يحملها و يحييها و سياسة حاذقة تمثل قوة حقها تدفن بالنسيان ) و لولا دأب المثقفين و الناشطين السياسيين و الحقوقيين الألمان طوال الربع الأخير من القرن العشرين ، و لولا الزخم الاجتماعي المندد بهذه الجريمة لما اعترفت ألمانيا أخيراً بجريمتها و تعهدت بالتعويض و مازال أحفاد ( الهيريرو) و ( ناما) يرفضون هذا التعاون لأنه لا يساوي و لا يعوض عن هذه الجريمة علماً أن الصهاينة تقاضوا تعويضات عن “المحرقة” تعادل أضعاف هذا الرقم بعشرات بل بمئات المرات .
البعض عدّ هذا الاعتراف بالإبادة مراجعة أخلاقية و البعض رأى فيه قراراً بتنظيف التاريخ الألماني من ارتكاباته ، و لكن يبقى السؤال الذي طرحه أحد الكتاب قائماً: إذا كان غسل اليدين يقي من الأمراض، فهل غسل التاريخ بالاعتراف ينظف المرتكب من جريمته ، و هل يعفيه من المحاسبة و العقاب ؟ ثم هل يضمن هذا الاعتراف عدم قيام مثل هذه الدول بتكرار جريمتها ؟ إن كان بداعي السيطرة أو الاستيطان أو فرض أساليب و أنظمة سياسية مرفوضة ؟؟