المساء وشاح أقحوان، والمدن تفاحة.. بهذه البداية المبهمة بتناقضاتها يبدأ العد التنازلي لخطواتكَ وأنتَ تبحث عن سنوات عمرك، ولا تجد ملجأ يحتفي بأعراس حلمك الأخير!!..
قبل قليل من استضافة نبضكَ لصوت «فرامل السيارة»، كنت على وشك أن تسأل نفسكَ: ترى كم يحتاج المرء من شجاعة لينصت إلى حفيف الطرقات وهي تحدو به من مقهى إلى منفى، ومن منفى إلى مقهى، من دون أن يجد من يسامره في حضرة الصمت الذي بات يلفه بالدوار كسمكة عزباء فقدت القدرة على استظهار الموج، فغادرتها القدرة على العودة إلى المكان الذي تكونت فيه ذاكرتها الأولى، لكنكَ لستَ سمكة، والبحر بعيد عن مرفقيك، كما أن للمدن التي تستهويكَ ذاكرة تُشبهكَ وأنتَ تقدّ الخبز من رمال، بفارق، أن الليل لن يمنحكَ القدرة، على فك طلاسم الدروب وهي تذرف الدموع على جانبيها،لأن من يعتنق خطواتها لا يصبو لامتلاك زمام الحلم الذي سار به إلى السفر !!..
ذات مساء سوف تقرر السفر عن حلمكَ، لإيمانكَ بأن شوارع المدن، وساحاتها، ورائحة الخبز في فجرها، لا تخضع إلّا لوحدة قياس تُحدّد أبعادها عيون من تهوى، وهي تدعوك لتناول قهوتكَ الصباحية في مقهى ما، خارج إطار الزمن الذي استحوذ به دوران الأرض حول شمسها المطلقة، فكانت هي، ولم تعد – في الآن- بمنأى عن فتك الزحام في كاحليك المثقلين بالجليد!!..
بعد قليل من امتلاك مكابح السيارة لأنينكَ، ستبحث عن مدينة أخرى، عن مقهى يضع الحلم أمامكَ لتقيم معه حواراً يبعدك عن هواجس البرد المزروع بخفيكَ مذ كنت شاباً تبحث عن امرأة وقصيدة لتكون الجزء الأقل خسارة من المدينة اللاحقة التي تحالفك في البحث عن قدميها، ومثلك هي لن تقوى على الطيران، لأنها لا تمتلك ريشاً، وأنت لست طائراً، وبعيدة حنجرتك عن أن تصبو الأغصان لها عندما يعم المساء فوق أسطحها، ولن تجدّ من المقاهي سوى مقاعد غابت عنها أحلام السمر.. هل تسأل أين رحلوا؟، ستخفي عنك الحرب ما حلّ برواد تلك المقاهي، وسوف تحشركَ الوحدة وحيداً مع شبيهكَ تحت ظلّ مصباح يطلّ عليك من زاوية المقهى، ليسألك هو أيضاً: هل بقي للمدن مساءات من وشاح الإقحوان، أم إن التفاحة الأخيرة باتت تقضم ذاتها لتكون أنتَ المدينة ؟..