نزلتْ دمعتي البارحة وأنا أشاهد إحدى حلقات مسلسل «الندم». ليس المهم أي مشهد بالضبط هو ما جعلني أبكي، وليس هذا المسلسلُ وحده مَنْ جعلَ قلبي ينفرطُ مثل حباتِ الرمّان، وليس مهماً إنْ كنتُ أنا من ذوي «الدَّمعة السخيّة» يبكيني مشهدٌ إنسانيّ مؤثر في فيلم أو وداعُ عاشقين أو مشهدٌ لِقطّةٍ تتألم… لأنني فكّرتُ وتخيّلتُ لحظتها كميةَ الجهد والإخلاص والتعب النفسي والأرق والمكابدات الذهنية التي خاضها صنّاع الدراما السورية، بل سيرورة الألم التي مرّتْ بها الدراما السورية بالمجمل لتبقى صامدة وسط نيران الحرب على سورية وما خلفته من خرابِ.
لكنني انتبهتُ أيضاً كيف أنّ الدراما السورية لم تكن مثلنا فقط؛ تقاتلُ وتدافعُ عن وجودها الخاص، وتناورُ بين إنتاجٍ محلّي وآخر عربي مشترك، وتدفعُ صخورَ معاناتها، وتداوي تصدُّعَ جسمها، وتشظّي كوادرها الفنية وآلاتها التقنية وجُزرِ مونتاجها… بل كانت هي بذاتها إحدى الجماليات المتبقية التي عمِلتْ على «تثبيتنا» في البلد!
جعلتنا «درامانا» السوريّة نحِنُّ إلى البلد ونحنُ فيها لم نغادرها لحظة واحدة، نحِنُّ إلى ما كنّاه وما لم نستطع أن نكونه، وإلى أرواحنا التي تاهتْ بين ركامِ الكلامِ، والكلامِ المضاد. . جعلتنا نشتاقُ أنْ نحبَّ حبيباتنا من دون خوف الترهيب وقمع الأعراف وضغط الحاجة، وأنْ تحبَّ الحبيباتُ عشاقهن من دون الحاجة إلى أن يضعنَ حول قلوبهنّ سياجاً من شوكِ القلق والترقّب والفضيحة!
وحين أقول الدراما السورية لا أقصدُ النصَّ أو الإخراج أو التمثيل فقط… إذ كانت موسيقا بعضُ الشارات، بل حتى بعضُ نغماتِ الموسيقا التصويرية كافيةً لتجعلنا نلتصقُ بصمغ الحنين إلى كل شيء في البلد: مشاكلُه وعفونةُ قاعه، عتمةُ لياليه التي جنّنتنا، رسائل شركات الاتصال المقيتة التي أفقدتنا صبرَ أيوب، رائحةُ خبز التنور من يديّ أمهاتنا، الزحمة الخانقة في «السرافيس» وباصات «الشنططة»، التسكّعُ جوارَ بردى ناسينَ – من فرطِ اشتياقنا إلى النهر الذي كانه يوماً – أننا نحنُ بذاتنا مجرّد «كاركتراتٍ» مُضحكة في دراما الحياة اليومية !