حروب، صراعات، أوبئة، مؤامرات، ودماء تسيل من حلوق أنهكها ظمأ البحث عن رغيف تخلى، ولو للحظة ، عن حشرجة الدموع ، وهي تكفكف السؤال ولا تستطيع مضغة !!.
– هل جن هذا العالم ..؟.
مراكز بحوث، وخبراء قانون واقتصاد، وأحبار في الطب، والفلك، وعلم الاجتماع، ومراكز للجوء، وقوارب للترحيل عابرة للقارات، ومؤتمرات تطالب بالتغيير، ثم مؤتمرات تطالب بالانسجام مع الظرفية التي تفرضها التطورات المعاصرة على بني البشر، ثم مؤتمرات تمجد صبر المظلوم، والقرارات ،في النهاية، لن تصب رحيقها إلّا في كأس القاتل البريء، المتجلي- أبداً- بهيئة أفراد ملثمين، ومؤسسات مانحة بلا حدود تنتقل بالسؤال من خانة إلى أخرى ضمن دائرة مغلقة، مركزها اجترار القضايا الكبرى في حناجر العطشى، لتبقى التفاصيل الصغيرة في مأمن من إعلان ذاتها كمؤسس فعلي لكلّ هذا الخراب..
هذا الخراب الذي سوف يتساوى في نتائجه القاتل والمقتول، المانح والمستفيد، السيد والعبد، إذا لم نضع دراسات، وقواعد جديدة تقرّ بأن الإنسان، ومهما بالغنا في تطوره، وكبلناه بالقوانين، سواء كانت تلك القوانين روحية، أم وضعية، فلن يتخلى عن كونه “عبداً” لحاجاته البسيطة التي تجعله في مأمن من خطر الانقراض، تلك الضرورات الملزمة لمتابعة العيش التي أخرجت الإنسان الأول من المغارة، وساهمت ،تدريجاً، في ارتقائه الحضاري، إلى أن وصل به المطاف، مع سيطرة الرأسمال على الأسواق المفتوحة/ لبيع ساعات من عمره مع كل يوم ليحصل على المال لمتابعة البقاء، لكن تلك المعادلة الصراعية بين العدم والوجود، باتت مع سيادة النمط الاستهلاكي، وفتح الأسواق العالمية على مصراعيها أكثر تعقيداً، إذ إن الإنسان المعاصر بات مضطراً للتخلي أكثر عن ساعات من حياته، أي إن العبودية قد تمكنت منه أكثر وانخفضت قيمته كإنسان مقابل متابعة الوجود ..
– فهل اكتفى المال بهذا القدر من تخفيض قيمة حياة الإنسان؟
بالتأكيد لم يكتفِ، فاستبدال الإنسان العامل بالآلات الحديثة، ما جعله خارج معادلة العرض والطلب بما يخص بيع عمره مقابل شراء حاجياته المُلحة، وهنا تبدأ المفارقة الكبرى، فلمن يبيع المنتج إنتاجه إذاً، مادام المستهلك يعيش تحت رحمة البطالة !!.. الليبرالية الاقتصادية الجديدة حاولت الخروج من هذا المأزق عن طريق طباعة المزيد من الأموال، وتوزيعها عن طريق المؤسسات الخيرية على شكل منح، وعن طريق البنك الدولي على شكل قروض، إلى أن بلغت قيمة الديون بسكان الأرض – الأضعف – أرقاماً فلكية، وصار من المستحيل إيفاؤها، أو الاستمرار بالاقتراض، أي إن محاولة الخروج من الأزمة المالية المعاصرة قد تأتي بأزمات أخرى تجاوزت عبودية الإنسان لتصل إلى أن نفتك ببعضنا نحن معشر البشر، بانتظار أن يلف صمت الفناء الجميع، هذا إذا لم نستطع إيجاد معادلة أخرى، معادلة خارج الأبحاث، والحلول التي ألفناها، لمتابعة العيش بسلام فوق أرض غربتنا، التي فرضت علينا بدورها، ولأجل الاستمرار في بقائنا، بأن نكون عبيداً لحاجاتنا البسيطة، مهما كان الثمن باهظاً ؟!!..