يعتزم التحالف التركي الحاكم المؤلف من حزبي العدالة والتنمية بزعامة رئيس النظام التركي رجب أردوغان والحركة القومية، طرح مسودة الدستور الجديد على بقية أحزاب المعارضة لمناقشته وإمكانية إضفاء بعض التعديلات عليه، قبل عرضه على الاستفتاء العام لإقراره والدخول، حسب مضامينه، إلى الانتخابات العامة المزمع إجراؤها خلال عام 2023.
الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا ضجت بما طرحه زعيم الحركة القومية التركية دولت بهجلي، كـ”مسودة أولية” لدستور البلاد الجديد، فيما اعتبرت شخصيات مقربة من قوى المعارضة أن هذه الخطوة لا تمثل طروحات حزبه، بل هي بالضبط ما يريده حزب العدالة والتنمية وأردوغان.
ويسود الاعتقاد لدى قوى المعارضة أن أردوغان يستخدم “بهجلي” وحزبه كواجهة لطروحاته، فالدستور المقدم إنما هو الأداة التي يستخدمها أردوغان لمفاوضة قوى المعارضة بشأن المستقبل السياسي للبلاد، ومحاولة شق صفوفها حتى لا تتمكن من دخول المواجهة الانتخابية المقبلة بجبهة موحدة مناهضة له.
ويحاول أردوغان من خلال طرح الدستور الجديد أن يكسب ثلاثة أبعاد فهو يعتقد أن النظام الانتخابي الرئاسي المعمول به حالياً لن يكون لصالحه في أي انتخابات مقبلة، وهو فعلياً لا يستطيع أن يعود للنظام البرلماني لأنه شخصياً قاتل لسنوات حتى يغدو النظام رئاسياً في البلاد، لذلك فإنه سيستخدم الدستور الجديد جسراً لتحقيق ذلك.
وكذلك فإن أردوغان متأكد من عدم قدرة قوى المعارضة من تحقيق توافق فيما بينها بشأن رؤيتها للدستور، بالذات حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد والحزب الخيّر القومي التركي، وهو بذلك يزرع أول شقاق فيما بينها.
وأخيراً فإن الدستور الجديد في حال رفض مناقشته من قوى المعارضة، فإنها ستغدو بمثابة المتشبثة بالدستور الحالي، الذي فرض على البلاد عقب انقلاب 1980 الشهير، وتالياً القدرة على اتهام المعارضة بالميول الانقلابية.
لذلك بدت المعارضة التركية قلقة من الدستور الجديد، فهي تريد العودة إلى النظام البرلماني، كما أن المسودة المقترحة تزيد من سلطة وأدوار مؤسسة الشؤون الدينية التركية، فترفعها من مستوى الجهاز التنفيذي الحكومي لتكون مؤسسة دستورية تساوي بسلطتها النظام القضائي والتشريعي نفسه.
ويبدو واضحاً أن هذا الدستور هو ناتج عن أزمة النظام السياسي في البلاد، إذ ثمة طرف ما من هذا النظام يريد أن يبقى حاكماً بأي أثمان كانت، وأن يستخدم كل شيء في سبيل تحقيقه بما في ذلك إقرار دستور جديد، ولا يستطيع حزب العدالة والتنمية تحقيق توافق وطني بشأن الدستور، فالخطوط والثقة مقطوعتان تماماً بينه وبين كل الأحزاب السياسية التي يتهمها جهاراً بالخيانة، ويعتقل قادتها بسبب أي تصريح لا يروق له.
تركيا تمر بأكثر لحظاتها صعوبة من الناحية الاقتصادية، والدستور الجديد في حال إقراره سيكون بمثابة حجر عثرة أمام روح المبادرة الاقتصادية، على الأقل خلال أول سنتين بعد إقراره، فرؤوس الأموال والاستثمارات تحتاج لتلك الفترة على الأقل لتعود ثقتها في الأسواق التركية واستقرارها.