ما يحيط بي ليس سوى مرآة لعالم تتعدد احتمالات وجوده ونتائجها، توازياً مع تشظي العدم في داخلها إلى كريات باردة تصفع بقسوة انعكاس الضوء من النافذة، ليغدو النقيضان فوق السطح المهشم للمرآة في حالة صراع قد يشغل مداه المفتوح من يومك بضع ثوانٍ تلتمس منك العذر بديمومة الفراغ الذي يطفو على نتائجها الملموسة، قبل أن يتلقفك الشارع المتاح لكَ على الدوام معانقته بدموع جافة، لكنها تقوى على الطيران إلى ما بعد حدود المدينة، لتخلصك ولو للحظة من هيمنة الجاذبية التي تمكنت من قدميك لتجعلك من دون سفر !!..
– بما جاءت لك به المرآة، والسير وحيداً في صباحات المدينة، هناك فسحة ضيقة من بياض يرغب بأن يـُملى عليه بعض من وجود، ليسجل من خلاله فوزه على العدم بفارق نقطة واحدة، نقطة سوف تتلاشى أمام تدوين النتائج بصورتها النهائية، لكن هذا الصراع، وحلم الفوز، سيأخذ حيز الاستدامة مستعيناً بإصرارك على أن فوق هذه الأرض ما يستحق الحياة..
(على هذه الأرض ما يستحق الحياة): تكررها مراراً، وأنت تعبر الشارع إلى ضفته الأخرى، وتوازياً مع الإشارات التي تفرضها عليك الجملة، ستترك للحلم حقه بملء البياض بدلاً منك، بعد أن رفض في السابق حقك المعلن في تدوين انكساراتك السرية أمام الذات، وسوف تسوغ تخليك عن تلك الانكسارات لصالح الحلم، بأمل فرضه عليك استحقاق الحياة في غواياتها المنتظرة أبداً، سيكون الانتظار ظلّاً تحتمي به كلما قاربك الاحتراق وأنت تتهشم بين سطور البياض ولا تستطيع إضافة حرف واحد يجنبه حتمية العدم، كأنه أنتَ، وكأنكَ هو، وكأن الأمل انهدام آخر في الوجود، حتى عندما استحوذ على الربيع بكل ما امتلكه من صفات، ووقف أمام من ملأتهم الصفوف الجبرية بهزائمها، ليقول لم نلتقِ في الحاضر المفلس من الـ(نحن)، لكننا التقينا في الماضي، وفي الآن، التقينا في القصائد، كتبناها معاً على حيطان المدينة القديمة، وعلى نوافذ البيوت الشاهقة في التماسها لكل الأعذار التي لم نقوَ على خيانتها، ولن تمتلك واجهاتها سوى الإصرار على خيانة ما كنا نقوله في الانتظار..
في الانتظار سوف تتغيب اللغة عن مكانها، ستقول القصائد، مع حليفها الأمل، لن أسمح لكَ بأن تخونني مرتين، وسأقول لها ونحن نقف على أربعة مفارق: أنتِ لي، وسوف يرجئني الأمل إلى الحلم الذي سوف يتساقط تباعاً مع الوجود في حلبة الصراع، كأننا لم نلتقِ!.