تبدأ المرحلة الأهم في مسار السياسة الصينية تجاه العالم عموماً، وآسيا على وجه الخصوص مع توقيع الصين وإيران على اتفاقية إستراتيجية بمليارات الدولارات تستمر لمدة ربع قرن.
فبالرغم من جملة التطلعات العالمية تجاه المنطقة وسياسات الصين الاقتصادية الخاصة، إلا أنه من المتوقع أن تبقى المكاسب محدودة بداية الأمر وذلك بسبب علاقات غرب آسيا الوثيقة للغاية مع الغرب، ولن تكون قوى التغيير الاقتصادي التي تطلقها الصين تجاه إيران كدفعة هائلة فحسب، بل ستصبح إيران بوابة لمزيد من توسع وانتشار الإنتاج الصيني وحضوره بكل جوانبه وقطاعاته في المنطقة ككل، بما في ذلك السعودية والإمارات العربية كمنافسين إقليميين لإيران.
ولا يتعلق الوجود والتوسع الصيني في المنطقة العربية بالفوائد الاقتصادية، فهذا الوجود مدفوع أيضاً بحجم التنافس الدولي الناشئ والمتواتر مع القوى الغربية المتسلطة، ورغبة الصين الجدية بمقاومة الهيمنة الأميركية والغربية على المنطقة.
وشملت الاتفاقية الإستراتيجية بين إيران والصين مشروعات تنموية، وخططاً لتحسين إنتاج النفط وإمداداته، وهذا ما شجع دول الخليج الغارقة بالتبعية للتجديف باتجاه الصين، ومحاولة جذب الاستثمار الصيني بكافة المجالات.
ومن خلال تقديم فرصة لممالك الخليج لتنويع علاقاتها الجيو-اقتصادية الخارجية، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، تشكل الصين اليوم تحدياً خطيراً لموقف الولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا، والتي اعتمدت غالباً السيناريو الجيوسياسي غير المستقر لتبقي نفسها راسخة عسكرياً. ففي الوقت نفسه، تعتبر دول المنطقة أن المسار الاقتصادي للصين هو مخرج من اعتمادها منذ عقود على النفط كمصدر أساسي للدخل القومي. فالتركيز على المنطقة العربية بالنسبة للصين ضروري، في وقت تحاول فيه إدارة بايدن تجميع تحالف مناهض للصين، من خلال مجموعة من الدول التي تضم اليابان والهند وأستراليا. وكما كانت تعمل خلال العقود الماضية، وعلى هذا النحو، ففي حين أن الاستثمار الصيني في إيران يوفر للأخيرة فرصة لكسر القيود الاقتصادية التي فرضتها واشنطن من خلال العقوبات الاقتصادية، فهو يقدم لممالك الخليج أيضاً فرصة لإعادة تشكيل علاقاتها مع الولايات المتحدة في وقت تبدو فيه إدارة بايدن غير راغبة بقبول المسار السعودي الجديد للمستقبل السياسي العالمي. ولم يكن أمام السعودية المرهقة والإمارات العربية الخارجتين من أتون حرب طاحنة في اليمن إلا الهرولة السريعة باتجاه بكين لتوقيع جملة اتفاقات إستراتيجية، معبرة عن رغبة حقيقية بتأمين الاستثمار الصيني لاسيما في مجال البتروكيميائيات والطاقة النووية، إضافة لشبكات الجيل الخامس والاتصالات، والتقنيات الرقمية.
فتتحدث اتفاقات الصين عن الكثير من الحرص الخليجي لتغيير المشهد الجغرافي الاقتصادي، لتصبح العلاقات الصينية– الخليجية كثمرة مسار تعاوني لخدمة المصالح المشتركة. لذا، سيكون من الخطأ اعتبار الصفقة الصينية– الإيرانية حدثاً منفرداً، لتظهر حقيقة احتضان الصين للمنطقة ككل إستراتيجياً بإطار واحد سياسياً واقتصادياً، يعتمد إلى حد كبير على التنمية والتعاون، وتحقيق المنفعة المشتركة لجميع الأطراف سعياً للاستقرار والسلام.
“نيو إيسترن آوت لوك”