غالباً ما ترتبط الرؤيا الجمالية بمفاهيم متناقضة في الخيال الجمعي للفرد، فجزع شجرة ميتة – على سبيل المثال- يشكل في المخيلة الجمعية، حالة من عدم الرضى في النفس البشرية، كونه مرتبط بالموت، في ذات الوقت فأن جزع الشجرة المشار إليه، قد يولد صوراً مختلفة، تنسجم في تعددها مع الأفراد، سواء أكانوا عابرين بالصدفة، وهم على عجلة من أمرهم، أم كانوا ممن يتكرر المشهد أمامهم دائماً، بمعنى آخر نستطيع الجزم بأن تلك الصور الفردية المختلفة قد يرقى البعض منها في أذهان المشاهدين إلى أعلى مستويات الجمال، بينما عند البعض قد ينحدر إلى ما دون الصورة الحقيقية لمفهوم الموت في الذاكرة الجمعية، وهذا مرتبط بشكل وثيق مع ثقافة الفرد والظرفية الزمانية والمكانية والبيئية التي تفرض سلطتها المطلقة عليه، كذلك الحالة الطبقية -الاقتصادية، ولن يستطيع إلّا أن يضع في المقدمة ما استحضرته له الذاكرة، من ذكريات بعيدة أو قريبة من خلال تلقيها للمشهد، ومن ثم أعادت إنتاجه بالصورة التي تلائم الرؤيا، كبديل موضوعي لتلك الذكريات..
من خلال هذه الرسم البانورامي لعلاقة الجمال بالإنسان، وكيفية إنتاج الأول من الثاني ضمن دائرة مغلقة بتناقضاتها وانسجامها في الآن، سنصل إلى أن لا شيء بمنأى عن الفرد في كينونته الوجودية، ولا فرد هو بحكم المستقل في رؤيته عن الحلقة الجمعية التي أنتجته، وهذا هو بمكان النقيض مع الوجودية، كفلسفة نادى بها الفكر الأوربي للتخلص من هيمنة الميتافيزيقيا التي كانت – من وجهة نظر الوجوديين – عائقاً أمام نزعة الإبداع التي تسكن الانسان، فمن خلال الإبداع نستطيع قراءة الخط البياني بحيادية لأي مرحلة حضارية في الماضي، كما نستطيع من خلالها استشراف المستقبل لأي مجتمع.. والسؤال الآن هو: هل استطاعت تلك الفلسفة الوصول بمعتقداتها إلى الحيز المطالب بأن يقوم على خدمة الانسان من خلال الارتقاء بسلوكه وواجباته ورؤيته الجمالية إبداعاً وتلقي، بمعنى آخر هل استطاعت تلك الفلسفة إنجاز مشروعها الحضاري، بصفتها النواة الأساسية التي تدور في كنفها مجمل الفلسفات، والقوانين التي أنتجت عصر النهضة ؟!
سأترك السؤال ليكون في ذمة كل واحد منا، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن “جائحة كورونا ” استطاعت أن تفضح عالمياً ما حاولت الأعين تجاهله عبر السنين، عندما كنا نمر من أمام جزع الشجرة الميتة !!..