بلاغة الحصان

«بلاغة الحصان» عنوان فصل رصين تضمنّه كتاب (البلاغة من الابتهال إلى العولمة) لـ «حنّا عبّود»؛ وخلافاً للمتوقّع في الثقافة الإنسانية التي استأنست الحصان منذ آلاف السنين، نظر إليه التراث الأوروبي عموماً بوصفه ابتداعاً شيطانيّاً، وتجسيداً لأحد أوجه إبليس, بسبب ارتباطه بالحروب التي تجرّ المآسي والويلات، خلافاً للحمار الذي بدا في الموروث نفسه تجسيداً لجملة من الميزات الحسنة التي يجب أن يتحلّى بها بنو الإنسان كالصبر، والعمل الدؤوب من غير تأفّف، وضرورته الماسّة للأعمال بأنواعها, وما إلى ذلك من ميزات يحوزها الحمار المنتمي إلى عائلة الحصان.
تقع تساليا شمال اليونان القديمة، واستأنس محاربوها الحصان قبل أن تعرفه أثينا وسواها من مدن جنوب اليونان، وفي الحروب التي كانت مشتعلة, استعمل محاربو تساليا الحصان الذي جعل كثيراً من الأثينيين يتخيّلون اتّحاداً عضويّاً بين الفارس والفرس، وذلك الاتّحاد كان يذيقهم الويلات ويوقع بهم الهزائم العسكرية، وعلى ذلك، استولد المهزومون كائناً أسطوريّاً له جذع الحصان وقوائمه الأربع، وله صدر الإنسان ورأسه ويداه، أطلقوا عليه تسمية (القنطوروس) ومن أهمّ مزاياه الجمع بين سرعة الحصان وقوّته المذهلة، وبين دهاء الإنسان ومحاسن تدبيره.
وفي تراثنا الثقافي العربي الذي تؤكد دراسات رصينة أنّه كان على صلات وثيقة بالموروث اليوناني القديم، بوصف اليوناني القديم استمراراً لما كان قائماً على ضفّتي المتوسّط الشرقية والجنوبية؛ في ذلك الواقع استولد الشعر الجاهلي حصاناً شبيهاً بالقنطوروس، لكنه مرسوم بالكلمات الحيّة، كما في عدد من اللوحات التي خصّصها شعر ذلك العهد لرسم الحصان، كامرئ القيس الذي رسم صورة حيّة لحصانٍ أراده امتداداً لنفسه، وتعويضاً للنقص البدني الذي يعانيه الإنسان بمحدوديته الجسدية، غير المتناسبة مع قدراته النفسية والعقلية وتطلّعاته إلى المزيد من القوّة، والمزيد من السرعة، والمزيد من الأداء الأفضل، في ساحات المعارك، وفي فيافي الصيد. إن الصفات التي أرادها امرؤ القيس في حصانه الموصوف داخل قصيدته المعلّقة هي الصفات ذاتها التي أراد أن يتحلّى بها على المستوى الشخصي، هو وغيره من الشعراء, بمن فيهم عنترة الذي أحلّ حصانه بمنزلة البعض العميق من ذاته. كان الحصان المرسوم في القصائد الجاهلية تجسيداً حيّاً للانتصار على محدودية الكائن البشري، ورغبة في إطلاق مزاياه البدنية إلى حدودها المتوهّجة في مزايا الحصان، وأضاف امرؤ القيس إلى حصانه الحالّ بمنزلة البعض من ذاته، مزايا وحوش أخرى كالثعلب والنعامة والظبي والذئب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
سيتم إطلاقها بالتوازي مع المنصة الوطنية للحماية الاجتماعية.. وزير الاتصالات والتقانة: منصة الدعم النقدي ستكون جاهزة خلال الأشهر الثلاثة القادمة بسبب ارتكاب مخالفات واقتراع الناخبين ذاتهم أكثر من مرة.. القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من مراكز حلب وريفها المقداد يعزي البوسعيدي بضحايا حادث إطلاق النار الذي وقع في محافظة مسقط ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج