ترتبط واشنطن وأنقرة بعلاقات ثنائية مشتركة ومتشابكة ذات مصالح إستراتيجية لها بعديها الإقليمي والعالمي، إذ حرصت العاصمتان خلال السنوات الماضية على التعاون المشترك في قضايا المنطقة بالإضافة إلى تحقيق المصالح الثنائية، ولكن في الوقت ذاته واجهتما ملفات شائكة، على رأسها الدعم الأمريكي “للميليشيا الكردية”، وعدم تسليم أمريكا فتح الله غولن لتركيا، والتطور المستمر في علاقات أنقرة مع موسكو، بالإضافة إلى التحركات التركية في المنطقة والمتوسط.
هذه العلاقة مرت بمراحل متعددة اكتنفتها حالات من الصعود والهبوط، فقد تطورت عقب الحرب العالمية الثانية نتيجة انضمام تركيا إلى جانب الحلفاء وبنت سياستها الخارجية على التقارب مع الغرب وتلا ذلك انضمامها إلى عضوية “ناتو” عام ١٩٥٢.
لقد كان لتركيا منذ التوقيع على معاهدة حلف شمال الأطلسي دور في حماية الدول الأعضاء في الحلف الأوروبي من الجانب الجنوبي الشرقي خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وبعد تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة مرت العلاقة بين البلدين بمراحل متعددة بين الانسجام والترنح.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها ومخالفة لتقاليد أسلاف الرئيس الأمريكي جو بايدن الراسخة بتجنب استخدام مصطلح “إبادة الأرمن”، تخلى الرئيس الحالي بايدن عن عقود من الدبلوماسية الحذرة ووصف القتل الجماعي للأرمن بأنه “إبادة جماعية”، وهو توصيف تجنب أسلافه الرؤساء الأمريكيون لفترة طويلة الخوض فيه خوفاً من الإضرار بالعلاقات الأمريكية- التركية.
إن قرار بايدن يأتي بعد حملة ضغط مطولة قام بها أعضاء في الكونغرس، وجماعات أمريكية- أرمنية حرصت على استخدام البيت الأبيض لهذا المصطلح.
هذه الخطوة تعد تغييراً جذرياً في مواقف البيت الأبيض منذ عقود وسوف يحتفي بها الأرمن في الولايات المتحدة، لكنها تأتي في وقت صدام بين أنقرة وواشنطن بشأن عدد آخر من الملفات.
ويرى محللون أن العلاقات الأمريكية- التركية مرت بالعديد من التعقيدات، لكن الواقع يشير إلى أن السياسة التركية مهما تطرفت تظل تدور في فلك السياسة الأمريكية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. ويضيف المحللون أن عدة أزمات كانت معياراً للعلاقة بين أنقرة وواشنطن، وأصبحت تحتل الأسبقية على أجندة بايدن، منها شراء أنقرة لأنظمة الصواريخ الروسية الصنع إس ٤٠٠ والعقوبات الأمريكية التي تلت ذلك على تركيا، ودعم الميليشيات الكردية في الشمال السوري، إلى جانب أزمة شرق البحر المتوسط، وغيرها من الأزمات بين البلدين.
مؤخراً، صرح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين “تركيا شريكنا الإستراتيجي المزعوم” وجاء هذا التصريح رداً على سؤال حول شراء أنظمة الدفاع الصاروخية إس ٤٠٠ من روسيا، ما اعتبره مراقبون مؤشراً على موقف الإدارة الجديدة تجاه تركيا.
إن الأزمة في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة مرشحة لمزيد من التوتر على خلفية ما يجري، يزيد الأمر سوءاً سعي تركيا لتقليل الاعتماد على الدول الغربية بشكل عام ليأتي القرار الأمريكي بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن بمثابة صب الزيت على النار.
ويرى مراقبون انه لا يمكن تصور التوتر التام بين البلدين في ظل التوترات الأخيرة بينهما، وذلك لأهمية تركيا الجيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة، فخسارة واشنطن لأنقرة تعني زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتركيا في المقابل ومن دون دعم الولايات المتحدة لن تتمكن من التمتع بامتيازات حلف “ناتو” ومن دون واشنطن قد تفقد أنقرة العديد من المزايا الأمنية والعسكرية التي تتمتع بها.
عن: مركز الدراسات الإستراتيجية