من محبة الآخر ينطلقُ الحُر
يقول دانيال روبس: «الشعر تعبير دنيوي عن حالات إلهية لأنه يكشف عن الوجود الكلي لله» ، ويقول حكيم: «إن المعرفة من أجل المعرفة هي سفسطة محزنة، إنها تراكم معلومات يشبه كمية من الحجارة التي تراكمت فوق بعضها من دون أن تكـّون بيتاً ولا حتى جداراً، والشعر والدين يلغيان مهزلة الحياة الدنيوية فعلامَ لا يحاول كلُّ ذي شعورٍ أن يعيش هذه الحالة الخلّاقة التي هي عنوانٌ غير زائف لموضع السعادة، ومن يحاول لا يعدم الوصول ..
وروي عن غريغورد: « كل من لا يعيش شعرياً أو دينياً هو أبله»، فالجمال هو جذر الأبدية يتجلى لنا بالحب وهو أكثر تجلِّ لله وعلامةٌ على الجمال، الحب هو ما يكشف لنا عن خلودنا، والجميل هو الذي يوقظ فينا حُبَّ الجمال، لأن الجمال هو من إبداعات الحب، وهو في حالة التحقق هو الخير وإن كان الحب جذر الأبدية فإن الألم هو جوهر الحياة وجذر الشخصية، الألم هو الذي يربطنا بسائر الكائنات الأخرى إنه ينبوع الشعور المأساوي بالحياة، فلا حبَّ حقيقياً إلا في الألم، والإنسان يصبح أكثر إنسانية كلما امتلك القدرة على المعاناة.
قيل إن رجلاً أصيب بضربة شديدة اعتقد على أثرها أنه سيفقد صوابه من الألم، لكنه عندما لم يحس بالألم صرخ من الذعر، من ذعر مأساوي صرخ قائلاً هذا يعني أني غير موجود.
فليس أشد خوفاً وأبعث على القلق الوجودي من فقدان الإحساس بالألم، الألم يقول لنا إننا موجودون، يقول لنا إن الله موجود إنه ألمُ الهمّ؛ همُّ البقاء بعد الموت، همُّ أن الإنسان الذي تقوده الغريزة، غريزة البقاء يميل إلى التخريب وإلى العدم إذا لم تحركه الرغبة في الخلود خالقاً حوله عالماً روحانياً تتنافس فيه قيم الحق والخير والجمال والعدل كي يصنع من نفسه إنساناً كائناً يبحث عن العلو، فالإنسان الذي يقيد عمل الروح، العمل الروحاني الأخلاقي و يجعل مثله الأعلى خدمة مصالحه الوقتية، خدمة مجده الشخصي الدنيوي هو إنسان قاتل للإنسان في داخله، لأنه يقتل القيم التي تقود إلى المحبة، فمن محبة الآخر ينطلق الإنسان إلى محبة الله وإلى التحرر من المادة الجافة إلى جعل كل شيء إنسانياً وروحانياً ووعياً كونياً كي يصبح كائناً مخلداً.