قم نغسلِ القلبَ مما فيه من وضرِ
لله درُّ أسياد أهل الحكمة والذوق والأدب، إذ لم يكن قولهم إلّا مختلفاً في الصدق والبلاغة وأسمى دُرج الأدب، ومن قولهم الجميل: «ليس بِرُّ الجار تجنُّبَ إيذائه، بل برُّ الجار تحمُّلُ أذاه»، فإلى أي مدى يمكن أن تبلغ المصلحة المشتركة بين الجار وجاره؟, وكيف يجب أن يكون التعامل بينهما، وتالياً، أين موقعُ تلك الحالة من سلّم القيم في الأدب والشعر، وبتعبير مختصر: هل تتأثر المكانة بالمكان، وكيف؟
يدعو الشاعر خليل مطران إلى تجنب مجاورة السيئين من الناس، لأن الجار السيىء يجرُّ جاره إلى مساوئهِ، فيصيبه – شاء أم أبى – شيءٌ من عيوبه، ويتم تقييمه بين الناس على أساس ذلك، حتى يعدّون فضائلَهُ أوزاراً:
من كان جارُ السوءِ يوماً جارَهُ عُدَّتْ فضائلُه من الأوزارِ!
أما أبو العلاء الشاعر والفيلسوف فيكرس القيم الأصيلة في احترام الجار، فيدعو إلى التآلف والتضامن وتبادل الحاجات بين الجوار:
متى نثاَتْ ريحٌ لقدْرِكِ فابعثي لجارتكِ الدنيا قليلاً ، ولاتُملي
فإن يسير الطعم يقضي مذمةَ ولاسيّما للطفل أو ربَّةِ الحمْلِ
ولكنَّ مسكين الدارمي يؤثرُ جارَهُ عليه, وتلك من أسمى القيم العربية الأصيلة عبر التاريخ، يقول:
ناري ونارُ الجارِ واحدةٌ وإليهِ قبلي تنزلُ القِدْرُ
ماضرَّ جاراً لي أجاوِرُهٌ ألاّ يكونَ لبابِه سترُ
أعمى إذا ما جارتي برزتْ حتى يُغَيِّبَ جارتي الخِدْرُ
ويرى إلياس فرحات أنّ الخطر الواقع على جاره واقعٌ عليه حتماً، والعكس صحيح، ولذا فإن على الجيران أن يعيشوا حالة الصفاء، تجمعهم المحبة والتعامل الحسن:
فيمَ التقاطع والأوطانُ تجمعُنا قم نغسلِ القلبَ مما فيه من وضرِ
ما دمتَ محترماً حقي فأنت أخي آمنتَ بالله، أم آمنتَ بالحجرِ
وأما زكي قنصل فيرى أن على الجار أن يشعر بمصلحته متوحدةَ متداخلة مع مصلحة جاره، وكلّ ما يصيبُ أحدهما سيلحق بالآخر، إن كان ضراً أو نفعاً، فعلام لا يناصروا ويؤازروا بعضهم في مختلف الأحوال؟ يقول:
إذا شاع الحريقُ ببيتِ جارك فبيتُك قد يصيرُ إلى السعيرِ
ومن يخذل أخاه في الرزايا يظلُّ على الزمان بلا نصيرِ