أقدم «جدُّولة» في التاريخ .. تواجه صبغات الشعر والقصّات الأجنبية!

ليس الأمر انحيازاً لموديلات الماضي، فلكلّ عصر ذائقته وجمالياته المختلفة، لكن العثور على منحوتة تعود لأكثر من ألفي سنة قبل الميلاد من الحقبة البابلية تصور امرأة تُظهر ضفائر شعرها، إضافة إلى الكثير من المنحوتات الأخرى لرجال ونساء قاموا بجدل شعرهم، كل هذا يشكل حافزاً للحديث عن جماليات الحضارة السورية القديمة في مراحلها المختلفة.. فمن المعروف أن السوريين قديماً كانوا يطلقون شعرهم ولحاهم, وذلك له تفسير وجودي للحياة، هكذا ظهر جلجامش في أسطورته كما ظهر الملك سرجون والعديد من القادة المعروفين في التاريخ، وفي حالة الشعر الطويل فإن الجديلة تكون حلاً من الناحية الجمالية ومن أجل راحة الشعر، أما بالنسبة للنساء فكنّ يعتنين بشعرهنّ وهذا يظهر في تماثيل الآلهة عشتار ربة الخصب والجمال والحرب إضافة إلى العديد من المنحوتات الأخرى التي تصور أناساً عاديين.
في الفترات الحالية من الزمن، ارتبطت «الجدّولة» بأعمار الفتيات الصغيرات، فمن النادر اليوم أن نشاهد الصبايا يقمن بتجديل شعرهنّ لأن الموضة قد اكتسحت المشهد بقصاتها الغربية وصبغاتها الكثيرة حتى إنّ الألوان المتعددة دخلت على الخط، فبتنا نشاهد الشعر الأخضر والأحمر والأبيض الأشيب، وصارت الموديلات تتبع لما يدرج في الغرب من موضة لا تستطيع المجتمعات الشرقية التحكم بها أو التأثير عليها بسبب عوامل كثيرة أهمها التطور التكنولوجي وسرعة التواصل والرفاهية الاقتصادية وغير ذلك..اليوم وصلنا إلى وقت يشكو فيه الرجال من أنهم لا يعرفون إن كان شكل المرأة حقيقياً أم اصطناعياً, وذلك بسبب معدات التجميل التي تداخلت وأثرت في المفهوم الطبيعي للجمال، أما بالنسبة للشعر فغالباً ما يغيب لونه الطبيعي عند النساء حيث يبدّلن في الألوان منذ سن مبكرة فيصبغن الأشقر والأسود والتدرجات البنية بينهما وغير ذلك من الألوان، أما الجدائل أو الضفائر فأصبحت كما قلنا من مخلفات الماضي أو مرتبطة بالفتيات الصغيرات.
الطقوس السورية القديمة في التجميل كثيرة فقد كانت تلك الحضارات الموغلة من أوائل من اكتشف أدوات التجميل ومنها جدائل الشعر، التي أصبحت اليوم مقتصرة على الفتيات الصغيرات في السن تقريباً، لكن لو فكرنا قليلاً في الأزياء التراثية وتصفيفات الشعر التي يمكن اختراعها بصيغة محلية لتوصلنا إلى العديد من الأشكال المغايرة للقصات المستوردة على اعتبار أننا أول من اخترع «الجدولة» في التاريخ والمنحوتات تشهد على ذلك حيث أخذها اليونان وبقية الحضارات لاحقاً.
الشعر الطويل يرمز إلى القوة في الحضارات القديمة، ومن مفارقات هذا الزمن أن بعض النساء انسقن مع موضة حلق الشعر بشكل خفيف جداً وصل إلى درجة الصفر، كما طغت القصات الأجنبية الفرنسية والإنكليزية والأميركية التي تميل لرسم الأشكال الهندسية في الشعر القصير عموماً، أما بالنسبة لشرق المتوسط، فإن الشعر الطويل مع «جدولاته» له دلائل تشير إلى الجمال والسحر والقوة، وهذا يبرز في الأغنيات الشعبية التي تتغنى بجدائل المرأة وهي مستمدة بالتأكيد من الحضارات السورية القديمة منذ فترات ما قبل الميلاد.
يقول ابن خلدون إن الأمم الضعيفة تقلد الأمم القوية، وهذا يظهر في مختلف الجوانب ولا يقتصر على اللباس وقصات الشعر وغيرها، ربما لأن الناس تجهل تفاصيل تاريخها وأيضاً لأن الثقافة الاستهلاكية سيطرت على معظم مناطق العالم على شكل غزو ثقافي وجمالي، وكما يقول المثل الشعبي:« مزمار الحي لا يُطرب»!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار