حرب متواصلة و«إسرائيل» مازالت تلهث وراء «يومها التالي»

تشرين- د. منذر أحمد:

لا إنسانية في فقه العدوان والمعتدي، فمن سلب الأرض وقتل ساكنيها وشرد من بقي منهم لا يكترث بقرارات أممية هنا وتنديدات عالمية هناك، ما بني على عدوان سيستمر في نهجه حتى يحدث الله بعد ذلك أمراً.
الكيان الصهيوني على وشك دخول يوم عدوانه يومه الـ300 بلا أيّ بوادر تهدئة أو حلول، ومنذ الأيام الأولى لعدوانه ضد غزة، وإسرائيل وحليفتها أمريكا تحاولان زرع الشكوك حول الخطوات التي سيتخذونها في حربهم القذرة، إذ إن الرئيس الأمريكي جو بادين قال في 25 تشرين الأول 2023: “يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك”. وبعد ذلك، انتشر مصطلح “اليوم التالي”.
“إسرائيل” نصّبت نفسها شرطي أمريكا الأقوى في الشرق الأوسط، وهذا ما أكده رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو عندما قال إن “إسرائيل” ستكون أقوى حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وذلك بغض النظر عمن سيفوز بالرئاسة في تشرين الثاني.
لعل تفكير إسرائيل ومن خلفها أمريكا باليوم التالي وهم غارقون في يومهم الحالي وغير قادرين على الخروج منه، يذكرنا بقصة أحد طلاب الصف التاسع الذي توقع أنه يمتلك من القدرة والذكاء ما يكفية للنجاح في البكلوريا، لذا بدأ يحضر لامتحان البكلوريا وترك التحضير لصف التاسع، وكانت النتيجة أن رسب فيه.
فـ”إسرائيل” التي تصور نفسها أقوى قوة في الشرق الأوسط ومن نصبت نفسها بنَّاءً سيعيد رسم وبِناء الشرق الأوسط الجديد وبدأت بالتخطيط لتحالفات كبيرة تراها اليوم عاجزة عن تحقيق “نصر” على مدينة صغيرة كان من المفروض بأنها تعرف كل شاردة وواردة وتحصي كل نفس فيها ولكنها ظهرت كالغارق في أوهام قوته المزيفة وقد سقطت أقنعتها عند أول اختبار.
لعل أكثر من يخشى “اليوم التالي” هو نتينياهو، فتراه يطيل الحرب ويطيل مسلسل القتل، عل هذا القتل يشفي غليل من يتباكون على “المحرقة” وينسون أنهم يفعلون ألف محرقة، ولعل الإدراك الأمريكي بعدم رغبة نتنياهو في مناقشة خطط اليوم التالي بجدية سبب لهم المزيد من الاحباط، خاصة نتيجة عدم قبول نتنياهو بما قاله الرئيس الأمريكي في 25 تشرين الأول “إن ما سيأتي بعد ذلك “يجب أن يكون حل الدولتين”. وهذا يعني أنه بمجرد أن تتخلص إسرائيل من سعيها إلى إراقة الدماء، فإنها تحتاج إلى الجلوس والتعامل مع ترتيبات اليوم التالي وفقاً للرؤية الأمريكية.
الكتّاب والباحثون الغربيون خاضوا في تفاصيل “اليوم التالي” في مقالاتهم، فالبعض يرى أن مصطلح “اليوم التالي” مصطلح غير واضح فنحن لا نعرف من يقاتل من ومن يقف وراء من، الساحة معروفة ولكن المتقاتلين الفعليين غير معروفين بشكل واضح، وحتى ننتقل إلى اليوم التالي يجب أن يكون هناك نصر… من سينتصر على من؟ هل انتصار اسرائيل يعني انتصار أمريكا على إيران؟ وهل هو انتصار إسرائيل على إيران أم على فلسطين؟ أم سيكون العكس؟ فمجرد حصول ما حصل في السابع من تشرين الأول يعدّ نصراً لفلسطين ولمن يساند قضيتها، وهو أمر يمكن أن يتكرر طالما أنه حصل أول مرة رغم كل ما تدعيه إسرائيل من جبروت وقوة.
فانتصار المقاومة قد تحقق في السابع من تشرين الأول، أما معالم النصر الذي تريده “إسرائيل” أو فلنقل يريده نتنياهو هي ملامح غير واضحة، كونه أكثر من يخشى “اليوم التالي”، في حين أن هذا “اليوم التالي” بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية يتمثل في إحباط مخططات محور المقاومة عبر السيطرة على غزة وجعلها قوة يتم التحكم بها ويمكن ضبطها، وهذا ما كان واضحاً من الضغط الذي مارسته أمريكا من جانبها من أجل إنشاء قوة دولية للمساعدة في إدارة غزة مؤقتاً بعد الحرب، ما يمهد الطريق للسلطات الفلسطينية الممكن التحكم بها للعودة إلى حكم القطاع، هذا الأمر الذي جوبه برفض من حكومة الاحتلال لعودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة، وهو أمر ترفضه مختلف الأحزاب الرئيسية التي ترى بحل الدولتين حلاً فاشلاً لا يمكن له أن يعيش كونه سيعطي نصراً لإيران ولمحور المقاومة الذي يطالب بمنح الفلسطينيون حقوقهم حسب ما جاء في المقررات الدولية.
معضلة “إسرائيل” ليست في “اليوم التالي” ولكن في اليوم الذي يسبقه وكيف يجب أن يكون الوضع، ولعل التصور الواضح بعد مضي ما يقارب ثلاثمئة يوم على العدوان يبين أن الرؤية الإسرائيلية تريد أن تبدأ مخططات اليوم التالي بعد القضاء على حماس وسحقها وبدون هذا الأمر لن يكون هناك مخططات ليوم تالٍ، على الأقل هذا الأمر هو ما يتنافس به قادة الصهاينة بعضهم مع بعض.
ما حصل من هزيمة لإسرائيل في يوم السابع من تشرين الأول لا يعود إلى مسألة فشلها الاستخباراتي وسوء تقديرها في ذلك اليوم، ولكنه يعود إلى عجز قادتها وسياسييها عن تحديد شكل الحرب التالية، وعدم معرفتهم شكل الحرب المعاصرة التي كانت فصائل المقاومة ومن خلفها محور المقاومة أكثر مقدرة على تحديد شكل ونوع هذه الحرب ووسائلها وأدواتها، واستطاعت عبر الدمج بين أساليب الحرب التقليدية والحرب الحديثة أن تلحق بإسرائيل ما عجزت الحروب

الماضية عن إلحاقه بها.

ولعل ما سيحصل من هزيمة لإسرائيل قبل “اليوم التالي” سيكون آخر درس ستتلقاه رغم أنف قادتها المستهترين، وأصحاب العنجهيات والغارقين في يومهم الحالي بوهم القدرة على النجاح في امتحان البكلوريا قبل دراسة منهاج التاسع، وسيكون الفشل والسقوط في الامتحان نتيجتهم المؤكدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار