“الرقة.. الأوابد والآثار”.. مسقط رأس القرى والمدن الأولى في التاريخ
تشرين- سناء هاشم:
بأسلوب علمي رصين، يقدم الباحث الآثاري الدكتور عمار عبد الرحمن كتابه الجديد “الرقة – الأوابد والآثار”، متناولاً الخلاصات والاكتشافات التي توصلت إليها عشرات البعثات الأثرية العالمية التي نشطت في هذه المحافظة في الفترة ما قبل الحرب الإرهابية التي عصفت بكل مكوناتها الحضارية.
ويركز الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، على الأوابد التي تحتضنها هذه المحافظة من العصور القديمة، وحتى حقب العصور الاسلامية، ويستمد أهميته الاستثنائية من كونه جاء بعد الفوضى التي عانى منها التراث الثقافي المادي في سورية لأكثر من عشرة سنوات، والتي رزحت خلالها المواقع الأثرية في محافظة الرقة تحت أضرار جسيمة جراء التدمير الممنهج لأوابدها.
ويؤكد الدكتور عمار عبد الرحمن لـ(تشرين) أن الظروف الأمنية خلال الفترة الماضية لم تكن تسمح بتقييم الوضع القائم للمواقع الأثرية في الرقة، للوقوف على الأضرار التي تعرضت لها على أيدي عصابات الإرهاب والتخريب والنهب، إلّا أن المعلومات التي كانت تمررها المصادر المحلية، كانت ترد ولو بشكل غير منهجي ومبعثر، إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف.. ويضيف: حتى هذا الوقت لم تسمح الظروف القائمة بتقييم منهجي علمي للأضرار التي أصابت المواقع الأثرية في مدينة الرقة، لأن المنطقة لا تزال غير آمنة تماماً، مشيرًا إلى أن السلطات الأثرية لا يمكنها تقييم الأضرار بشكل دقيق.. ويعبر الباحث الآثاري عن أمله في أن تكون المعلومات التي أوردها في كتابه، كافية لرسم ملامح تاريخ هذه المحافظة وعظمتها وغناها وأهميتها في محطات التاريخ المختلفة ليس لمنطقة المشرق القديم فحسب، بل للعالم المتحضر كله.
ويعد الباحث عبد الرحمن كتابه “الرقة – الأوابد والآثار” بمثابة حافز نحو إبراز الأهمية التاريخية للرقة أمام الباحثين والمهتمين حول العالم، والتأكيد على تضافر الجهود من أجل المساهمة في إنقاذ هذه االتراث سواء من حيث الحماية أو الترميم أو الحفاظ عليها من العبث، ليستمر هذا الإرث الإنساني كشاهد على عظمة وألق هذه المنطقة في المشرق القديم.
ويتناول الدكتور عبد الرحمن في كتابه النشاطات الأثرية المكثفة التي شهدتها محافظة الرقة خلال العقود الماضية، والتي أسهمت فيها أهم المراكز العلمية والبحث الأثري حول العالم، وهو ما يعكس أهمية المواقع الأثرية التي نشأت في هذا الجزء المهم من سورية على ضفاف الفرات ورافده البليخ.
كما سلط الضوء على أهمية النتائج التي توصلت إليها البعثات الأثرية في مدينة الرقة والتي كانت لها أهمية كبيرة على المستوى العالمي، إذ أن هذه المنطقة شهدت استقرار الإنسان الأول، وتأسيس القرى الزراعية للمرة الأولى في التاريخ، كما دجن فيها الحيوانات والنباتات البرية في تل “المريبط”، وتل “أبو هريرة”.
ووفقًا للمكتشفات التي تزخر بها محافظة الرقة، فقد ابتدع الإنسان السوري القديم الذي عاش في هذه المنطقة العديد من الابتكارات والإبداعات الفنية، ومن أهمها صناعة الفخار في موقع (تل أسود) على نهر البليخ، ولا يخفى ما كان للفخار من نتائج مهمة جداً أسهمت في تسريع عجلة التطور البشري نحو مزيد من التقدم الحضاري.
كما يعرّف الكتاب مواقع المحافظة التي كانت لها مساهمتها في نشوء مراكز مدنية هي الأولى من نوعها في التاريخ، وبشكل معاصر لمدن جنوب بلاد الرافدين، كما في (تل حبوبة)، و(تل قناص)، و(تل حمام التركمان)، و(جبل عرودة).
ويؤكد كتاب “الرقة- الأوابد والآثار” بأنه على رغم النتاجات الأثرية المهمة التي أفضت إليها نتائج التحريات الأثرية التي شهدتها مواقع المحافظة، إلّا أن التنقيبات لم تطل سوى عدد قليل من المواقع الأثرية التي تزخر بها هذه البقعة من سورية، وقد تكون هذه المواقع التي لم تشهد تنقيبات، أكثر أهمية مما تم اكتشافه حتى الآن. حيث اعتمد الكتاب على المعلومات الأصيلة المستخلصة من دراسات الآثاريين والباحثين الذين عملوا في هذه المحافظة، وقد عرفوا قيمة هذه الاكتشافات ووضعوها على الخريطة العلمية العالمية، وكل ذلك تم استعراضه بطريقة علمية واضحة ومبسطة للقارئ العادي والمتخصص.