أغاني الترند؛ توجيه المراهقين وتشكيل أذواقهم!
تشرين- حنان علي:
“من حزن فليستمع للأصوات الطيبة فإن النفس إذا حزنت خمد منها نورها، وإذا سمعت ما يطربها اشتعل منها ما خمد” لعلّ نصيحة أفلاطون أكدها نيتشه مفسراً : “الأنغام الحزينة هي صوت الحزن نفسه وليست صوت حزنك أنت، أما الأنغام السعيدة فصوت الفرح نفسه وليست صوت فرحك أنت”.. وكل حقيقيّ فريد نادر يا نيتشه أما الموسيقى المريضة فهي “التي تجني أرباحاً هذه الأيام”.
لا نملك في هذا العصر الرقمي الجذاب إلّا الانغماس في مواقع التواصل الاجتماعي والتنقل بين محتويات لا حصر لها طوعاً أو كرهاً، ولا نجاة من الخوض في عباب موجات الترند من باب الإعجاب إن لم يكن من باب الفضول. فالساحة متاحة للجميع، وصانع المحتوى حرّ برسالته عميقة أو تافهة ولا فرق في الانتشار بين السمتين على الإطلاق، كما لا يشترط الوصول لملايين المتابعين منجزاً عميقاً بقدر ما يكون سطحياً مختصراً كـ(وجبة) جاهزة.
الثقافات الموسيقية بدورها اقتحمت حياتنا، حياة المراهقين على وجه الخصوص، وباتت تسهم في تشكيل هويتهم وتوجهاتهم. ومع انتشار منصات اليوتيوب وتيك توك، أصبحت الأغاني السطحية التي تعتمد على الإيقاعات الجذابة والكلمات البسيطة تأخذ ترندًا واسعًا بين الشباب، مما يثير التساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء ذلك، ما تأثيرها على ذوق المراهقين، وما الحلول؟
التعبير عن المشاعر
في مرحلة المراهقة، يعبر الناشئون عن مشاعرهم وتجاربهم من خلال الموسيقى. فقد يجدون في الأغاني الخفيفة ما يعكس مشاعرهم، حتى وإن كانت خفيفة بسيطة. وهذا أمر منطقي على نحو ما، فقلة من المراهقين لهم القدرة على تقدير الموسيقى المعقدة أو العميقة، ما يجعل الأغاني السطحية أكثر جاذبية لهم، هذا عدا عن أنّ الأغاني الخفيفة ذات إيقاعات جذابة وكلمات بسيطة تخفف من الضغوط النفسية وتمنحهم فرصة للاستمتاع.
سهولة وجاذبية
يميل المراهق إلى التخلص من التعقيدات والاستماع إلى ما يحظى بشعبية كبيرة، وهذا ما تتكفل بتقديمه منصات بث الموسيقى عبر الإنترنت عبر تجربة مريحة وسهلة.
أما اللحن الجذاب والإيقاعات السريعة فتجعل الأغنية سهلة التذكر وتشعل الرغبة في الاستماع إليها مراراً وتكراراً، خاصة أن هذه العناصر تجعلها تتناسب مع نمط حياة المراهقين السريع.
التأثير الاجتماعي
الاتجاهات بين الأقران تلعب دورًا كبيرًا في الضغط على المراهق للانسجام بما يشغف أصدقاؤهم أو ما يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي. لذا، يصبح استماعهم للأغاني السطحية جزءًا من انتمائهم الاجتماعي. ما برح المراهقون يميلون إلى البحث عن انتماء إلى جماعات معينة، ويمكن أن تكون مثل هذه الأغاني وسيلة للتواصل مع أقرانهم.
الإعلام وإدارة الأذواق
تلعب شركات الإنتاج دوراً مهماً في صياغة الموسيقى التي تناسب ذوق المراهقين من خلال استخدام إستراتيجيات تسويقية فعالة تشمل إعلانات وحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما تؤثر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير على تفضيلات المراهقين.
تترك الأغاني السطحية تأثيرات مزدوجة على ذوق المراهقين. من جهة، يمكن أن تعزز من رغبتهم في الاستماع إلى الموسيقى والتفاعل معها، ولكن من جهة أخرى، يمكن أن تُقلل من عمق تقديرهم للأغاني ذات المحتوى الفني الغني. أما الاستماع المتكرر للأغاني السطحية فيؤدي إلى تشكيل ذوق موسيقي أحادي، حيث يتجه المراهقون نحو السطحية بدلاً من استكشاف أنواع موسيقية أكثر تنوعًا وعمقًا.
مثلي مثل المراهقات والمراهقين، استغرقني الزمن سنوات قبل الإبحار مع إيقاع مقدمة (ألف ليلة وليلة) لأم كلثوم، أو إغماض الجفنين مع ما تنبأته قارئة الفنجان لنزار قباني وعبد الحليم حافظ. فكان الحب يحلق مع (سحراني) لإيهاب توفيق، ويومض بـ (ما تخفيش) لعمرو دياب، و يدمع بشجنٍ مع وائل كفوري، ومع ذلك لا أنكر أن نشأتي مع مواويل العتابا وأوتار العود لعبت دورها في تشكيل ذوقي الفني، في تقييم الموسيقى وحسن الاختيار، لكن استكشاف أنواع مختلفة من الموسيقى، بما في ذلك الموسيقى الكلاسيكية والجاز والموسيقى الشعبية من مختلف الثقافات، ليست مهمة الأهل فحسب، إذ يجب تعزيز هذا التنوع من قبل ورش العمل و الانخراط في المناسبات الموسيقية.
وعلى الرغم من أن مراقبة المحتوى، أمر يعتبره المراهق تدخلاً مرفوضاً، لكن لا يزال على المشرفين والمربين متابعة ما يستمع له المراهقون وتقديم بدائل موسيقية مناسبة تدعم ذوقهم وتحسن من اختيارهم.
وفي النهاية من المهم أن نتذكر أن تفضيلات الموسيقى تختلف من شخص لآخر، وما قد يبدو تافهاً للبعض يمكن أن تكون له قيمة عاطفية أو ثقافية للآخرين، لذلك لا يمكننا إنكار أنّ أغاني الترند باتت جزءًا من ثقافة هذا الجيل، ورغم أنها ممتعة ومرحة، لكن من المطلوب خلق التوازن وتوجيه المراهقين لتقدير الموسيقى بعمق أكبر.