إيميلي وأورسولا.. محك الحضارة الغربية!

إيميلي ديكنسون تعدّ مع ووتمان من مؤسسي الشعر الأميركي. وتعدّ أورسولا دير فاين رئيسة المفوضية الأوروبية، من أكبر الشخصيات الأوروبية، أي إن كلتيهما من الشخصيات النسائية الرائدة والمتفوقة في الغرب الأوروبي والأميركي، والمؤثرة فيه قديماً كما في ديكنسون، ومعاصرة كما الأمر مع أورسولا، ولكن التعامل معهما يكشف قاع الضمير الغربي في نظرته للمرأة التي هي محك رقي أي حضارة.
قبل حوالي الأسبوعين، وأثناء زيارة أورسولا دير فاين، مع رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل إلى تركيا، وكلاهما بالمستوى الوظيفي السياسي نفسه، ما يحتم جلوسهما بالمستوى والدرجة نفسيهما، إلا أن أردوغان وبمنتهى قلة الحياء وضع لضيفيه الأوروبيين كرسياً واحداً، وأكمل تشارلز ميشيل وقاحة أردوغان وقلة حيائه بأن جلس على الكرسي الوحيد، تاركاً أورسولا من دون كرسي، وبقيت رئيسة المفوضية الأوروبية بلا مقعد، فاستنكرت ما يجري بحركة من يديها، وجلست على أريكة جانبية، مفضلة تمرير السكوت وتمرير الأمر من دون التسبب بأزمة دبلوماسية… أردوغان تقصّد معاملة المرأة الرئيسة بهذه الفظاظة، وتشارلز ميشيل أحسّ – ربما بعدوى من أردوغان – بحقه كرجل يتفوق بجنسه بالجلوس، وأفضليته على المرأة. تصوروا؛ رئيس المجلس الأوروبي يمارس تمييز نفسه كرجل على زميلته المساوية له بالمنصب، فأين التطور الحضاري الأوروبي؟! ميشيل فضح قاع هذا التطور عندما مارس رجعية مفرطة ووقحة. وبعد ذلك اعترف في مقابلة بما فعل قائلاً إنه «لم يعد يستطيع النوم بسبب حادثة الكرسي»، فعلاً المرأة محك الحضارة، والتعامل معها كاشف لحقيقة تحضّر ورقي أي مجتمع.
بالتزامن مع حادثة الكرسي يقبل جمهور الدراما التلفزيونية على مشاهدة مسلسل عن حياة الشاعرة إيميلي ديكنسون الذي أذاعته مؤخراً شبكة «نتفلكس» وتبثه على منصات البث الرقمي، وديكنسون التي ولدت في «أميرست» في نيو انغلاند في أميركا، كانت ابنة سياسي معتدل وعضو مجلس شيوخ، وكان جدها مؤسس المدينة ومنشئ جامعتها. ومع ذلك فقد عانت إيميلي من كونها أنثى، إذ حرمها والدها- رغم حبه الشديد لها ولذكائها – حرمها من نشر شعرها، باعتبار ذلك فضيحة، كما منعها من حضور المحاضرات وحفلات السيرك، ولذلك بقيت طوال حياتها أسيرة البيت، ولم تُعرف قصائدها إلا بعد وفاتها، حيث اكتشف حوالي 2000 قصيدة لها مخبأة في صندوق، واكتشف العالم فيها شعراً عذباً مدهشاً وخالداً.. فكم كانت إيميلي ضوءاً كاشفاً لقاع الضمير الغربي، وكم كانت المحك الذي يكشف حقيقة الحضارة الغربية الأميركية!
إن حادثة الكرسي، وما فعله تشالز ميشيل مع أورسولا دير فاين يعيد للأذهان ما فعله إدوارد ديكنسون مع ابنته التي لمس عبقرية شعرها، وكلاهما؛ تشارلز وإدوارد سياسيان كبيران، وليسا من عامة الناس، وليسا أيضاً من الجهلاء أو المتخلفين وإذا كان عذر إدوارد ديكنسون أنه عاش في القرن التاسع عشر، فإن مصيبة ميشيل أنه ارتكب تخلفه وفضح حضارته في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.. بالفعل المرأة ومكانتها محك الحضارة ورقيها!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار