يقولُ لنا تاريخُ الإمبراطوريات الكبرى إنّ الفلاحين الذين يزرعون أرواحَهم مع كل حبّة قمح ويسقونها بماءِ دموعهم، ومَنْ يعملون في الأرض ويغرسون أجسادهم فيها شتلاتِ قُطنٍ وبندورة وحبّاتِ بطاطا، ومَنْ يقطعون الحجارة بأيادٍ من قهر، والخياطين الذين يجتهدون ليبدعوا من خيوطِ القنّب ألبسةً لهم ولأولادهم فيما يفصّلون ويطرزّون الثياب بخيوط الذهب المسروق من أعمارهم، والحلاقين الذين “يُهندسون” ويزيّنون شَعر الناس أجمعين، والحذّائين الذين يُرقّعون فقرَ أحذيتهم ويواسون حُزنها فيما هم يخيطون أحذيةً من جلودِ صبرهم وشقائهم، وعمّالَ المصحّات النفسية، والممرضاتِ اللواتي يَعدّون نجوم الليالي فوق رؤوس المرضى حتى يُشفَوا فيما هُنّ لا يجِدن مَنْ يضع لهنّ قمراً على شُبّاكهن، وأولئك “السَّحَرة” منظّفي الشوارع ومحوّليها إلى أماكنَ تستحقُ بشراً…وغيرهم الكثير… تصوّروا إنّ كلَّ هؤلاء كانوا في نظر بعض الطبقات الاجتماعية مُجرّد «كائناتٍ مخصّصةٍ للعمل فقط» وليست جديرةً بالحياة والرفاهية !
أذكرُهم وأتحدّثُ عنهم لأن الزمن سريعٌ كفاية بما يجعلنا مجرّد ثوانٍ في مهبّه، لأنهم أهلنا وناسنا الذين يعيشون معنا ونعيش معهم وبفضلهم، ولعلَّ هذه الكلمات هي تذكيرٌ استباقيٌّ لمن يهمّه الأمر فيُعيدوا لهم ما يستحقونه قبل أن يرحلَ الأحبّةُ مِنهم على غفلةٍ مِنّا ويتركونا نهبَ الندم والحسرة. هي تذكيرٌ لنا جميعاً بأنْ لولا هؤلاء وإخلاصهم، وانحناء ظهورهم، وليالي أرقهم، ودموع أطفالهم، ودعاء أمهاتهم وآبائهم، وما تبقّى في جسدهم من هِمّةٍ، وما بقي في أرواحهم من كرامة، لما تنعّم “الآخرون” بما هم عليه!
“بس.. يا حزركن”: الكتّابُ والصحفيون – في هذا الزمن المُرّ- إلى أيِّ طبقةٍ ينتمون؟!… مَنْ يُجيبني بأنهم ينتمون إلى “طبقةِ الأوزون” محرومٌ من الهدية…أيوا!