جدل آخر عقيم تثيره حوادث إطلاق النار المتكررة في الولايات المتحدة ما بين مدافع عن حرية وهمية بحمل السلاح الفردي ومعارض يطالب بالحد من ظاهرة انتشار الأسلحة وارتباطها بالارتفاع الخطير لجرائم القتل الجماعية وأعمال العنف في المجتمع الأمريكي.
الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام عن وقوع حوادث إطلاق نار في الولايات المتحدة لا تعتبر مستغربة أو جديدة فهي تعتبر من أحد السمات البارزة للمجتمع الأمريكي باعتبار حق حيازة السلاح حرية فردية وميزة للديمقراطية الأمريكية إلا أن تواتر وقوع مثل هذه الحوادث التي يستفيق عليها الأمريكيون بشكل شبه يومي تسارع منذ العام الماضي وفق ما كشفته بيانات رسمية إذ سجل عام 2019 وقوع 582 جريمة قتل جماعي في حين بلغ عدد هذه الجرائم منذ مطلع العام الجاري 148.
إحصاءات هذا العام بما شمله من أربعة أشهر تقريباً لحوادث القتل الجماعي التي تعرف بأنها حوادث يسقط خلالها أربع ضحايا أو أكثر تشير إلى وقوع 35 جريمة من هذا النوع في كانون الثاني و43 في شباط و48 في آذار و22 في نيسان الجاري.
حوادث إطلاق النار في المدارس الأمريكية عادت مجدداً إلى الواجهة مع مقتل طالب أمس وإصابة ضابط شرطة في مدرسة ثانوية بمدينة نوكسفيل بولاية تينيسي كما أدى إطلاق نار في مدينة سياتل أمس أيضاً إلى إصابة أربعة أشخاص بينهم طفلة.
صحيفة الغارديان أشارت في تقرير لها إلى أن أعمال العنف باستخدام الأسلحة أدت إلى مقتل 4 آلاف شخص في الولايات المتحدة العام الماضي في ارتفاع كبير مقارنة بعام 2019 مشيرة إلى أن أكثر من نصف ضحايا هذه الحوادث والجرائم هم أمريكيون من أصل إفريقي بمن فيهم أطفال وشباب تتراوح أعمارهم ما بين الـ 15 والـ 34 عاما ما يسلط الضوء بشكل واضح على مشكلة التمييز العنصري في المجتمع الأمريكي.
الصحيفة أشارت إلى أنه على الرغم من كل حوادث إطلاق النار والقتل الجماعي التي تشهدها الولايات المتحدة وبعد سنوات طويلة من الجدل والدعاوى القضائية العالقة إلا أن الأمريكيين لم يشهدوا بعد إصدار قانون واحد يهدف إلى الحد من انتشار السلاح أو تشديد إجراءات حيازته وسط معارضة قوية من الجمهوريين لمثل هذا القانون ووجود عقلية متأصلة لدى بعض الأمريكيين بحق حيازة السلاح.
العلاقة الفريدة التي تجمع الولايات المتحدة بحيازة الأسلحة سخرها الدستور الأمريكي ذاته حيث انتشرت ثقافة حق الفرد في حيازة سلاح ناري برعاية القانون كإحدى مفرزات الليبرالية الحديثة التي تعطي الفرد حرية منفلتة من أي ضوابط والتي تهدد المجتمع الأمريكي والأسرة ولاسيما في ظل انتشار أعمال العنف والانتحار وجرائم القتل الجماعي.
شركات تصنيع الأسلحة والذخائر التي تحولت إلى لوبيات حقيقية تخضع القوانين وصناع القرار في الولايات المتحدة لأوامرها تبقى المستفيد الأوحد فكلما أصر الأمريكيون على التمسك بما يعتبرونه حقاً مشروعا يكفله القانون بامتلاك السلاح زادت أرباح هذه الشركات ومن يقف وراءها على الرغم من الأضرار البالغة التي تسببها تلك الأسلحة بأيدي الأمريكيين بحق أنفسهم ومحيطهم في آن معاً.
«سانا»