في طرح مبتكر, يلاحق الكاتب «أنجوس فليتشر», كيف حقق مؤلفو الأدب عبر العصور «اختراقات تقنية»، تنافس أي اختراعات علمية، في إنجاز تحسينات هندسية على عقل وقلب الإنسان، وهكذا يطرح فليتشر كشفاً جديداً حول تأثير الأدب على الدماغ والأعصاب والمشاعر، وكيفية عمله في تطوير العقل والقلب.
بدراسته لخمسة وعشرين «اختراعاً» في الأدب عبر التاريخ، يثبت فليتشر أن للأدب تقنية مثل أي تقنية أخرى، حيث بدراسته لشكسبير, وهوميروس، وأوستن, وبرناردشو, وهوغو، وتولستوي, ودستوفيسكي, وغيرهم .. حقق كل منهم تقدماً فريداً، يمكن عدّه تقدماً سردياً علمياً عصبياً، وكل تقدم أو نقلة حصلت في الأدب، طورت تقنية فيه تؤثر في عقل وقلب الإنسان.. بشكل رسم تطور التفكير والمشاعر الإنسانية عبر التاريخ ..
هذه النظرة إلى الأدب، وعدّه «تقنية» تؤثر وتطور عقل وقلب الإنسان، نظرة لافتة ومدهشة، وبحث أنجوس فليتشر, في مخططات 25 من أقوى التطورات في تاريخ الأدب، يجعل ما طرحه هذا المؤلف الناقد في كتابه الجديد «أعمال مدهشة» جديراً بالدراسة والنقاش والاستفادة، وبالفعل هو طرح يفتح العين ويثير الفكر ويقدم لنا فهماً جديداً لقوة الأدب.
كما يقدم اكتشافاً لفهم السرد الروائي والقصصي في سياق ما تعلمناه من الأدب, وما تأثرنا به عقلياً وعاطفياً .
كل ذلك يكشف آفاقاً جديدة للكتابة باعتبارها نوعاً من التجربة مستمرة التأثير في الهندسة العصبية البشرية والتناسق المجتمعي, والحيوية الإنسانية عبر التاريخ، ولا يمكن لهذا الكشف إلّا أن يحفزنا على إعادة النظر في كيفية قراءة الأدب، حيث إن قراءة الكتب الجيدة لا تسلينا فقط، بل تعلّمنا كيفية استخدام أدمغتنا وعواطفنا بشكل أفضل.
إن طرح فليتشر بالفعل يقدم نظرة جديدة لتاريخ الأدب وشهادة على القوة الدافعة للقراءة ..
ترى! لماذا لا نستفيد أو لم لا نستجيب لمثل طروحات فليتشر في تناول الأدب العربي؟ وكم مفيد لنا أن نبحث في الاختراعات -إن وجدت- في أدبنا، وهل نقرأ كتاباً أو طرحاً يلاحق مثل هذه الاختراعات التقنية المؤثرة في عقل وقلب القارئ العربي، عبر أعمال ربما تبدأ من ألف ليلة وليلة، إلى الشعر الجاهلي، إلى أعمال نجيب محفوظ وحنا مينة وسعد الله ونوس وتوفيق عواد وبديع خيري ومحمود درويش ونزار قباني وحسن حميد وغيرهم .
كم نحتاج لفهم ما أثر في عقولنا وقلوبنا، وكم نحن بحاجة لإدراك كيفية التأثير في عقول وقلوب مجتمعنا لتكون هندسة عقله وقلبه تطوراً إنسانياً يرتقي بالحياة في كل جوانبها؟ هل سيتسنى لنا من يتصدى لمثل هذه المهمة من باحثين أو نقاد أو مؤسسات؟