لم ينته مسلسل الاعتقالات في تركيا منذ أن استلم رجب أردوغان السلطة في بلاده ، وطالت هذه الاعتقالات افراداً من مختلف فئات الشعب ، إلا أنها هذه المرة شملت بعض كبار ضباط البحرية من المتقاعدين العسكريين، ، مما أدى إلى جدل حول صحة الإجراءات التي يتخذها أردوغان منذ بداية توليه الحكم والتي أحدثت شرخا في بنية المجتمع التركي مع تبنيه نمــوذج “العلمانيــة الأحاديــة” غيــر الديمقراطيــة التي تنتهك الحقوق والحريات، هذا ما أوضحته مجلة «الإيكونومست» البريطانية من خلال مقال تحليلي أوضح ما يجري في تركيا التي تتشدق بالديمقراطية من اعتقالات ومصادرة للحريات.
إن البيان الذي صدر مؤخراً عن الضباط المتقاعدين وسارع أردوغان إلى وصفه “بمحاولة انقلاب” على الدولة جاء على خلفية إعلانه عن مشروع فتح قناة صناعية تسمى «قناة اسطنبول» بطول يتراوح بين 45-50 كم تصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة و تبعد 30 كلم إلى الغرب من قناة البوسفور «المضيق الطبيعي» الذي يشق اسطنبول.
وقد تضمن البيان ضرورة الالتزام بمعاهدة «مونترو» الموقعة عام 1936 التي تضمن حرية عبور السفن المدنية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل، اللذان يعدان ممراً أساسياً للتجارة العالمية بين أوروبا وآسيا في السلم والحرب.
وقد تذرع أردوغان ، بحجة تخفيف الضغط عن مضيق البوسفور في إسطنبول، الذي عبرته العام الماضي وحده أكثر من 38 ألف سفينة، لكن حقيقة الأمر أن المشروع الذي طرحه أردوغان وترفضه المعارضة بشدة سيحقق أرباحاً ماليه لأردوغان وأعوانه، حيث رأى محللون أن المشروع الذي قدرت تكاليفه بمليارات الدولارات ، محاولة من أردوغان لرفع أسعار العقارات في المدينة وتوفير عقود بناء ضخمة تصب في صالح حزب العدالة والتنمية وأنصاره.
لقد أثار البيان الذي وقع عليه 104 من كبار ضباط البحرية السابقين رد فعل من مسؤولين حيث رأوا أنه يمثل تحدياً مباشراً من الجيش لحكومة اردوغان، خاصة وأن الضباط المتقاعدين حذروا أردوغان في بيانهم من محاولة طرح اتفاقية “مونترو” الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية موضوعاً للنقاش واعتبروها الوثيقة الأساسية لضمان أمن الدول المشاطئة للبحر الأسود.
وفي السياق ذاته ، سبق لرئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو – حزب الشعب الجمهوري المعارض- أن قاد حملة معارضة شرسة لمشروع القناة، كما أشار في تصريح له إلى أن شق القناة ينتهك 7 اتفاقات دولية أهمها اتفاقية مونترو.
ويعود هذا الخوف إلى أن المشروع قد يكون بمنزلة التفاف على اتفاقية «مونترو» وسيعطي لتركيا الحق في فرض رسوم كبيرة على السفن عبر منح ميزة العبور السريع للسفن عبر القناة الصناعية بدلا من الانتظار لعدة أيام لعبور المضيق كما هو حاصل اليوم.
بغض النظر عن الهدف الانتخابي غير المعلن- وعن جدوى المشروع في التخلص من أكبر المشاكل التي تعانيها إسطنبول كما تقول حكومة اردوغان وهي مشكلة الازدحام المروري، ما يزال عدد السيارات التي تعبر جسري البوسفور يسبب أزمة خانقة تمتد طوابيرها على عدة كيلومترات، فان ما يثير المخاوف للأتراك هو أن شطر مركز إسطنبول وتحويلها إلى جزيرة معزولة سيخلق المشكلة المرورية نفسها على الجانب الآخر.
مجلة الإيكونومست البريطانية