أين تذهب أحلامُ الفقراء في الليل، أتزورُ جُزُرَاً لازورديّةً وأرجوانيةً أم تنتظر المعجزات مثلما ينتظر حَمَامٌ مُهاجرٌ رياحَ بلاده؟
هل عليهم دائماً أن يتدفّؤوا بالحنين وأن يُشعلوا الذكريات مثل قناديلَ يهتدون بها في عتمة الكوابيس؟ هل عليهم أن يُدحرجوا، مثل سيزيفَ الأسطورة، صخرةَ صبرهم على درب آلامهم إلى أبد الآبدين؟
هم فقراءُ .. نعم، لكنهم مثلُ «شهرزاد» يؤجّلون موتَهم بألفِ حكايةٍ وحكاية، فهم تعلّموا من أسلافهم الفقراء حول العالم أن فنَّ البقاء على قيد الحياة بأقلّ القليل الموجود لديهم إنما يولدُ بعد مخاضِ الآلام والمعاناة والخوف.
تعلّموا أنْ يعجنوا خُبزَ الأمل بملح دموعهم ليتمكنوا من إكمال ما تبقى من أيامهم، لكنْ لكيلا يُكملوها والغصّة في حلوقهم والشوكُ تحتَ جِلودهم ها هم يخترعون النِكاتِ وكذباتِ نيسانَ البيضاء وقصصَ الكوميديا ليَضحكوا مثل الأطفال بصدقٍ ومن كلِّ قلبهم، فالضحكُ كما قال أجدادنا «أفضلُ علاجٍ لكلّ داء» واليومُ الذي يمرُّ من دونَ أن نضحكَ أو نبتسمَ ابتسامةَ رضا على الأقل هو يومٌ زائلٌ وبلا قيمة!
فقراء.. نعم، لكنهم يحاربون بقوّة هِركِليس مسوخَ الجشع العالمي ووحوشَ الحصار القذرة ومَن يَعدّون أنفسهم «سادة العالم» الذين يخطفون بلاداً ويُجوّعون شعوباً ويسرقون أعماراً ويمتصوّن نسغ الحضارات مثل جراد الصحراء… يحاربونهم بكرامةٍ وشهامةٍ ليقولوا لأبنائهم وأحفادهم إنهم كانوا فرساناً محاربين لم ينهزموا حتى وإنْ وصلوا إلى حافة الهلاك، لأنّ تاريخ البشرية منذ الشهقة الأولى يقول لنا: «إما أنْ تكون صيّاداً أو طريدةً، إمّا أنْ تكون فماً أو تصبحَ لقمةً»… هذه هي المسألة!