وعينُ الرّضا..
هل العينان تكشفان عن المُضمر في الأنفس، وهل هنَّ مرآة ما يخبّئهُ القلب، تألفان ما يألفُه، على رأي الشاعر مضرس الربعي – الذي ربما ضرَّستهُ التجاربُ:
العينُ تُبدي الذي في نفس صاحبها من الشناءةِ أو ودٍّ إذا كانا
العينُ تنطقُ والأفواهُ صامتةٌ حتى ترى من ضمير القلبِ تبيانا
لعلَّ أصدق الكلام ما تفصح عنه العين، وإفصاح العين لا يشبه بوح سواها، إنهُ أجمل وأنأى من أن يُدان عليه، أو يجرَّ عذلاً ولوماً، ولكنَّ العين تبدي ما تبدي من ودٍّ وحبور، أو بغضٍ ونفور وعلى هذا المنوال والمنحى نحى شاعرٌ عربيٌّ لمّاحٌ، فترجم ما تترجمه اللواحظُ، إذْ قال:
إشاراتُ العيون مترجماتٌ لما تطوي القلوبُ عنِ القلوبِ
ويشيرُ العباس بن الأحنف إلى خاصيّة العين وخصوصيتها، ويدعو إلى استعمالها في مواطنها ومواضعها من دون إسرافٍ، يقول:
من ذا يُعيرُكَ عينَهُ تبكي بها أرأيتَ عيناً للبكاءِ تُعارُ؟!
أمّا الشاعر العربي علي التهامي فينطلق بمُخيِّلتهِ إلى عيون الغواني، يستقرئ خطرهنّ ويدعو إلى توقّيهنّ، ولعلّها دعوةَ مجرّب:
توقَّ عيونَ الغانياتِ فإنها سيوفٌ، وأشفارُ الجفونِ شفارُها
ويستخدم الشافعي العين في توصيف القريب منه والبعيد عنه، ويرى في العيون ملمحاً للرضا والسخط، ويرى لكل امرئٍ ما يرى له:
وعينُ الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ
ولكنَّ عينَ السُّخطِ تبدي المَساوئ
ولستُ بهيّابٍ لمن لا يهابُني
ولستُ أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدنُ مني تدنُ منك مودتي
وإنْ تنأَ عني تلقني عنك نائيا
ولقد ذهب شاعرٌ عربي إلى أنَّ العين تبدي عدوّك من صديقك، فهو يراقب من يحدّثه ويستقرئُ عينيه فيقع على حقيقة مشاعره :
والعينُ تعلمُ من عيني مُحدّثها إن كان من حزبِها أو من أعاديها
وللشاعر ظافر الحدّاد أبياتٌ لطيفة في حكم القلوب والعيون، ودائه وتعذّر الدواء:
حُكمُ العيونِ على القلوبِ يجوزُ ودواؤها من دائهنَّ عزيزُ
ولعلَّ أصدق الكلام ما تفصح عنه العين، وإفصاح العين لا يشبه بوح سواها، إنهُ أجمل وأنأى من أن يجرَّ عذلاً ولوماً:
العينُ تنطقُ والأفواهُ صامتةٌ حتى ترى من ضمير القلبِ تبيانا