بعد انتهاء الانقلاب المزعوم في تركيا، قال أردوغان في خطاب “النجاة المزعومة”: “رغم ما في الانقلاب من مساوئ بحق تركيا، إلا أنه من جهة أخرى كان هبة عظيمة من الله”.. عبارة أردوغان هذه، أخذها صانع أفلام وثائقية استقصائية، وجعلها عنواناً لعمله الاستقصائي الذي أستغرق إنجازه سنوات عديدة، ليثبت أن أردوغان هو من لفّق الانقلاب، ضمن مخطط يهدف إلى تحويل تركيا إلى نظام استبدادي, يتربع على عرشه أردوغان متفرداً
وثائقي “هبة من الله” الذي عرضته قناة تلفزيونية عالمية الأسبوع الماضي، فند مجريات الانقلاب المزعوم، واستند لشهود عيان، ليتبين حقيقة ما جرى، فمثلاً، بينما يلجأ أي انقلاب إلى محاصرة القيادة الحاكمة واعتقالها في أول خطوة له، بدأ انقلاب تركيا المزعوم، بإرسال مجموعة من الجنود وطلاب الضباط، ليمنعوا المرور على أحد اتجاهي جسر أتاتورك، وبينما يتحرك أي انقلاب في ساعات الصباح الباكر، بدأ الانقلاب المزعوم في الساعة التاسعة مساء، لحظة ذروة الازدحام في المدن، وكما تحرك الجنود لقطع المرور على الجسر المذكور، بناء على أوامر من قيادة أردوغان، زعمت، كما أخبرتهم، أن هجوماً متوقعاً من “داعش” على الجسر، كان هناك أيضاً أمر للبحرية كي تتحرك السفن من (غولكوك) إلى المياه الحرة، لأن هناك هجوماً إرهابياً متوقعاً عليها، فنفذ قادة السفن تعليمات قيادة أردوغان، ولكن وبعد ساعتين، ظهر أردوغان على قناة “سي إن إن ترك”, عبر فايس تايم، وأعلن عن الانقلاب، وأمر مؤيديه بالنزول للشارع للدفاع عن النظام، وبالفعل، نزلت حشود إلى جسر أتاتورك، ولكنها لم تكن حشوداً شعبية، بل كانت ميليشيا أردوغانية محضرة ومستعدة ومسلحة بالسواطير والسكاكين والعصي، هجمت على الجنود، بعدما استسلموا للأمن، الذي غض النظر عن الميليشيا الأردوغانية، وتركها تقتل الجنود المستسلمين للأمن وتسحل جثثهم، رغم أن كل ذنبهم، أنهم نفذوا أوامر قيادة أردوغان، تماماً كما جرى مع البحرية، الذين اعتقلوا جميعهم لأنهم نفذوا الأوامر ذاتها،
وقبل منتصف الليل، بدأت الأجهزة الأمنية الأردوغانية، حملة اعتقالات وفق قوائم تأكد أنها معدة مسبقاً وتضم 2,5 مليون مطلوب.. وقال زعيم الحزب الوطني شريك أردوغان: إن هذه القوائم كانت مجهزة من قبل، وتم اتهام جماعة غولن بالوقوف وراء الانقلاب، وصنفها أردوغان (إرهابية) لأنها تحدثت عن فساد عائلة ونظام أردوغان، وبالنتيجة تم اعتقال كل معارض محتمل، وتم تطهير الجيش والقضاء والصحافة والمجتمع المدني، بتهمة الانقلاب، وحسب الوثائقي حصل أردوغان بذلك على (شعبه الخاص)، وتمكن من تأمين انتقال نظام تركيا إلى الاستبداد الشخصي ليكون هو السلطان المستبد بحكمه، تماماً كأجداده العثمانيين حسب ما قال في أكثر من مناسبة.
وثائقي (هبة من الله) عمل استقصائي دقيق، أنجزه صحفي عالمي يعيش في تركيا منذ 25 سنة، ويحبها كبلد وشعب كما قال في الفيلم، ويخشى عليها من استبداد أردوغان، وثائقي حصيلة سنين من العمل والبحث والمتابعة والاستقصاء ليؤكد نتيجته الواضحة: أردوغان لفّق انقلاب 2016 وفق مخطط ومؤامرة، هدفت لجعل تركيا نظام استبداد شخصياً بعقيدة إخونجية.