إيثارٌ مذموم..!

كنا مجموعةَ نساء، في فندق سبع نجوم، في عاصمة عربية تجذب الشبان العرب إلى العمالة في شركاتها ومؤسساتها بشروطها المعروفة، والمسألة ليست هنا بالتحديد، بل في إحدى هوامشها الخفية! جلست السيدة المشرقة بأناقتها وقوة بدنها ووثوق نبرتها التي وصلت إلى التسلط بالعلوّ والتدفق والفرح بالإنجاز!
قالت، وكنتُ أعرف ذلك من معلومات التعريف السريع بشخصها من موظف العلاقات العامة، إنها مسؤولة عن التوظيف في شركة الإعلام الضخمة متعددة المهام، وبالأمس اختبرت مجموعة من الشبان الوافدين! أعجبها أحدهم وحدست أنه سيكون الأول بين المتسابقين بسبب أناقته وتهذيبه وشهادته العالية، لكن فألها خاب، ففي الاختبار أعطته سبعة أقلام مختلفة ليوزعها على مجموعة المتسابقين، وفي النهاية أبقى لنفسه أكثر هذه الأقلام تواضعاً، لذلك رسب في الاختبار وضاعت فرصة فوزه بالوظيفة، وأفهمته ألا ينسى هذا الدرس طوال حياته لأن أمثاله يبقون في المؤخرة ويُفشل مؤسستَه في منافسات المؤسسات الأخرى! ثم استأنفت شُربَ العصير وهي تتحدث على جوالها مع المدير المسؤول، في شؤون شركته!
فقدَ الشاب الوافدُ فرصة العمل الحُلم، ولابد أنه يقيم ضيفاً عند قريب أو صديق بمدّخراته القليلة، ريثما يستقرّ تحت سقف راتب! فقدَ الوظيفة لأنه يحمل إرثاً أخلاقيّاً لم ينفعه في عالمٍ جديدٍ عليه، بل ضرّه أشدّ الضّرر وصار وبالاً عليه، في زمن التسابق المحموم للفوز بالفرص والمال بأيّ ثمن، وهذه الثقافة تتجاوز زمن شيخ الكار الذي كان يعلّم «تلاميذه» أسرار المهنة ويرشدهم إلى أخلاقيات الإتقان والأمانة وعدم الغش والإيثار، ورغماً عني تداعت إلى خاطري رواياتٌ وقصصٌ لكبار الأدباء العالميين الذين رصدوا المآسي الإنسانية الناتجة عن العصر الصّناعي المبهر في إنتاجه المادي، المؤلم في استعباد عمال المناجم، وشحن العبيد في السّفن، والحروب التي قتلت الرجال وأخرجت النساء إلى المعامل والمشاغل الصغيرة لإعالة أسرهن واضطرارهن للرضوخ لرب العمل خارج ساعات عملهن، وظهور مدن الصفيح وبؤس العلاقات التنافسية على كل صعيد!
سألتُ السيدة المنتشية بنجاحها: ما الذي ينتظر الشاب بعد رسوبه في الاختبار؟ أجابت ببساطة: التسفير! ليس لديه إقامة! مازلتِ تفكرين فيه؟ الشركات ليست مبرّات للمحتاجين ومن يحمل شهادة عالية يتوجّب عليه أن يفهم «اللعبة»، لأن الإيثار على النفس بضاعة كاسدة لا تنفع إلا في حكايات جداتنا وتراثنا الذي صار يحتاج إلى حرثٍ وحرق!
هل كان يجدي أن أقول لها إن الأخلاق ليست ظواهر طارئة كالعواصف التي تهدأ وتترك لنا إزالة الخراب؟ هل كان يجدي أن أذكِّرها أن الإنسان بأخلاقه هو أثمن الثروات على هذه الأرض؟ انفضت جلستنا بعد أن داعبتُها قائلة: حين تجدين وقت فراغ اقرئي رواية الأمريكي هوراس ماكوي «إنهم يقتلون الجياد».. هناك تجدين معنى ثقافة العمل الناجحة التي تخدمينها بهذا الإخلاص الشديد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اتحاد الكتاب "فرع اللاذقية" يحيي مع مؤسسة أرض الشام ندوة عن المرأة السورية ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة