زرت صديقةً قديمة، هي زميلة مهنة أيضاً، في يوم عطلة فوجدتها قد غيّرت «حلّاسها وملّاسها» ولبستْ «أفرولاً» كُحلياً ممسكةً «سطل» دهان بيد وعدداً من فراشي التلوين بقياسات مختلفة وضعتها في جعبة معلقة على خصرها فبدت مثل «الليدي أوسكار» في برنامج الأطفال الشهير! سألتها ماذا تفعل؟ قالت لي: أنا ذاهبة إلى ورشة الدهان والرسم على جدران المدرسة في الجوار لأنني أعمل متطوعة لعلّني أحفز نفوس الطلاب بالألوان بل لعلّني أزيلَ قشورَ التعب عن روحي وأبدّلها بطبقة جديدة من بهجة الرسومات.
في مرة ثانية، زرتُها ومعي علبة ألوان قيّمة كهدية لائقة على جهدها المتفاني ذاك، فوجدتها قد اشترتْ مكنة خياطة وغيّرت قليلاً في ديكور بيتها المتواضع وعلّقت لافتة مكتوباً عليها «خيّاطةُ الأمل…الدَّين مسموح للمحتاج والرزق على الله» وانهمكتْ بابتسامةِ رضا على وجهها كأنْ لم يبقَ خيّاطٌ في المدينة غيرها بل كما لو أنها على معركةٍ مع الحياة.
منذ يومين التقيتها مصادفة في إحدى الحفلات الموسيقية تحملُ جعبة على ظهرها وبيدها كاميرا متواضعة، شعرُها منكوش وعيناها متعبتان من قلة النوم على ما يبدو، كانت تتحرك لتأخذ تصريحات من الموسيقيين والمطربة والحضور مثلَ نحلة في مهمّتها الأزلية المقدّسة، انتبهتْ إلى أنني أنظر إليها بعينٍ الإعجاب والدهشة. التفتتْ إليّ بضحكةٍ حلوة وروحٍ جبّارة وقالت لي مازحةً بذكائها المعتاد: لا تستغرب يا صديقي فأنا «مسبّعة الكارات»، آخرُ المحاربات، إحدى نساء هذا الزمان… عِندك مانع؟!.
حيّيتها بانحناءةٍ من رأسي وقلت لها: «بيطلعلك عندي باقة بصل أخضر وطبخة برغل ببندورة وبعدها أحلى كاسة شاي خمير لعيونك»!