بايدن يحاول ترميم ما أتلفه ترامب في علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي

كانت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عميقة لدرجة كبيرة على كافة الأصعدة وخاصة السياسية منها والاقتصادية، ولكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أحدث شرخاً في هذه العلاقة، حيث بدأ الشرخ الأول بعد انسحاب ترامب من اتفاق باريس للتغيير المناخي، ثم تعمد إحداث إرباك في سياسات اقتصادية عالمية تستهدف الدول الأوروبية وصولاً لمطالبته من الأخيرة برفع حصتها في دعم حلف “ناتو”.
هذا ما أوضحه موقع “الدراسات الإستراتيجية العالمي” في مقال تحليلي جاء فيه:
لم تتوقف سياسات ترامب الهجومية ضد أوروبا عند ما ذكر سابقاً، بل استمرت لتشمل فرض رسوم ضرائب على الصلب والفولاذ الأوروبي ومنتجاته من الألمنيوم، سبقها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في استهداف مباشر للشركات الأوروبية العاملة في إيران.
وبسبب الإجراءات الأمريكية ضد أوروبا رفع الاتحاد الأوروبي شكوى ضد الولايات المتحدة لمنظمة التجارة الدولية وقرر التعامل مع الإجراءات الأمريكية بالمثل، حيث أصدر الاتحاد الأوروبي قائمة من عدة صفحات بالسلع الأمريكية التي ستخضع لتعريفات جمركية رداً على قرار ترامب بداية من الدراجات النارية من طراز هارلي دي فيدسون إلى منتجات الويسكي، محذراً من إشعال أمريكا حرب تجارية مع حلفائها.
وبالنظر إلى الإجراءات الأمريكية ضد بعض دول الاتحاد الأوروبي والتي وصفها الكثير من المحللين السياسيين بأنها إجراءات عقابية تثار تساؤلات حول إذا ما كان الاتحاد الأوروبي قادراً على الخروج من تحت العباءة الأمريكية والتخلي عن حليفها الإستراتيجي الذي تستند إليه في تجارتها وأمنها الإقليمي.
في هذا السياق أشار بعض المحللين المختصين في الشأن الأمريكي إلى أن ما قام به ترامب كان الهدف منه إضعاف الاقتصاد الأوروبي داخلياً وخارجياً وخاصة الاستثمارات الأوروبية في أمريكا.
ولفت محللون إلى أن فشل السياسة الأمريكية الخارجية في جبهات عدة كاليمن وسورية والعراق يعود إلى غياب دعم الاتحاد الأوروبي للسياسات الأمريكية تجاه هذه الملفات.
وعلى الصعيد الاقتصادي أكد باحثون في الشأن الأمريكي أن السياسة الأمريكية الأحادية الجانب كما في عهد ترامب هدفت على المدى البعيد إلى إنعاش السوق الأمريكي من خلال تشجيع الصناعات المحلية، إلاّ أنها أثرت سلباً على الاقتصاد الأوروبي، مثل فرنسا التي شهدت مؤخراً أزمات اقتصادية حادة.
وأشار باحثون إلى الضرر الذي سيلحق بالواردات الأوروبية التي يستند عليها السوق المحلي والدخل القومي الأوروبي، ما يؤدي إلى ركود اقتصادي كبير إلى جانب الخسائر التي ستلحق بالشركات الأوروبية.
أما في الجانب الأمني أكد محللون أنه لا يمكن للطرفين الاستغناء عن بعضهما في المنطقة الدفاعية للأمن الإقليمي وأن الإدارات الأمريكية وخاصة السابقة سعت لتحسين شروطها مع أوروبا في هذا المجال وخاصة في مكافحة الإرهاب.
من جهة ثانية قال محللون سياسيون، بالرغم من الخلافات في السياسات الأوروبية والأمريكية تجاه بعض القضايا إلا أن علاقتهما في القضايا الأخرى تربطها خطوط سياسية متفق عليها، لافتين إلى محاولات فرنسا لعب دور سياسي في أزمات المنطقة العربية، مقللين من فرص وصولها لدور حقيقي كالذي تقوم به أمريكا.
وحول إمكانية تخلص دول الاتحاد الأوروبي من التبعية لأمريكا قال محللون: إن العلاقة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي هي علاقة إستراتيجية قائمة على التعاون والتنسيق الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، وأن تأثير السياسة الأمريكية على الاتحاد الأوروبي لا يستهان به.
الواضح أن أوروبا بقيت تحت العباءة القطب الأمريكي الذي استمر في احتلال مراكز القوة الأولى عالمياً، حيث يرى المؤرخ الفرنسي جاك بيكر أن الحرب العالمية الأولى مهدت الطريق أمام الولايات المتحدة للدخول إلى الحياة الدولية التي احتلت فيها تدريجياً المكانة الأولى عل حساب أوروبا.
أما المؤرخ والخبير الاقتصادي الفرنسي أوليفيه فيرتاغ فيقول: “ما من شك أن الحرب العالمية الأولى كانت السبب في التفوق العالمي للعملة الأمريكية التي طبعت القرن العشرين، مشيراً إلى أن أوروبا انتقلت بين عامي 1914- 1919 من موقع الدائن لبقية العالم إلى موقع المدين”.

في صيف عام 1916 قال الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بعد الحرب العالمية الأولى واصفاً الصراع الأوروبي: “إن بريطانيا تمتلك العالم وألمانيا تريده” وكان ذلك إشارة واضحة منه لضرورة البحث عن مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وسط الأطراف الأوروبية المتهالكة إثر الحرب، وكان تحليله ذلك تحولاً تاريخياً في الحياة الاقتصادية الأمريكية ومسارها الفعلي نحو الهيمنة على مقاليد الأمور في العالم بعد أن كانت إمكانياتها الاقتصادية مكبوتة قبل حرب عام 1914 بفعل نظامها السياسي غير الفعال، ونظامها المالي المختل إلى جانب صراعاتها العمالية والعرقية العنيفة.
وأضاف: كانت أمريكا مثالاً للفساد المدني وسوء الإدارة والسياسات المدفوعة بالجشع بالإضافة إلى اتجاهها نحو الربح وكان ويلسون آنذاك يبحث عن ترسيخ السيادة الأمريكية في ظل التهاوي الأوروبي وقد استمر هذا الوضع لمن تبعه من ساسة واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية وهكذا كانت أوروبا نافذة الولايات المتحدة للهيمنة على العالم.
وانتقلت بعدها من مرتبة الدول الاستعمارية الأوسع سيطرة عالمياً إلى مرتبة ثانوية بعد أن احتلت الولايات المتحدة محلها كقوة استعمارية بأساليب متجددة.
إن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تسير ضمن خطوات تفرضها الأخيرة ومهما اختلف الرؤساء في أمريكا فإن الولايات المتحدة تبقى المهيمنة نسبياً على أوروبا وقد بدا ذلك واضحاً خلال حكم الرئيس ترامب، لكن الرئيس الحالي بايدن يحاول أن يرمم ما أتلفه سلفه في العلاقات مع أوروبا.
لا شك أن أوروبا تراهن كثيراً على إدارة بايدن بعد أربع سنوات صعبه مع سلفه والتي وصفها البعض بـ”الكابوس” فماذا ينتظر الأوروبيون من بايدن؟
بالتأكيد يتوقعون علاقات أفضل لكن لن يتغير كل شيء، كما يجمع الكثير من المراقبين، فالتوقعات من الرئيس الأمريكي الجديد كبيرة، إذ يأمل قادة الاتحاد الأوروبي بداية جديدة للعلاقات عبر الأطلسي، وقد اقترح رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل على بايدن “ميثاق تأسيس” لعالم أفضل وأعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فون دير لاين عن أملها في عودة الولايات المتحدة إلى دائرة الدول ذات التوجه المماثل وحددت لاين مجالات عمل للتعاون في مطلعها حماية المناخ، مؤكدة على ضرورة أن يكون هناك تحالف في معظم المجالات وقالت إنها تتطلع إلى انضمام الولايات المتحدة إلى برنامج “كوفاكس” العالمي لتوفير اللقاحات ضد “كوفيد19″ الذي تقوده منظمة الصحة العالمية والذي ينبغي أن يعمل من أجل توزيع دولي عادل للقاحات.
من جهة أخرى تأمل أوروبا في تطبيع العلاقات مجدداً مع واشنطن وإصلاح العلاقة الأطلسية لكنها في المقابل قلقة حول ما يمكن لـ”بايدن” أن يفعله في أمريكا المنقسمة في السياسة الخارجية.

عن : موقع الدراسات الإستراتيجية العالمي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار