بعد أيام قليلة من صدور وثيقة الدليل الإستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأميركي، وما تضمنته من ملامح عامة لتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة؛ يبدو أن إدارة بايدن قد بدأت التطبيق العملي وبلورة هذه الملاح والتوجهات على الأرض..
المتابع للسياسة الأمريكية، وما حفلت به هذه الوثيقة، لن يخرج بتصور عن تغيير يذكر وإن حصل فهو من منظار الريبة والعداء للدول الكبرى التي تسعى لتقويض الهيمنة الأمريكية.
من هذا يمكن أن نفسر كيف حظيت الصين بنصيب كبير في الوثيقة الأمريكية، لجهة اعتبارها حسب الوثيقة “تهديداً إستراتيجياً” واسعاً لأمريكا.
أيضاً في السياق يمكن تحليل وقراءة جولة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى عدد من الدول الآسيوية وعنوانها الأبرز تشكيل ما يسمى “تحالفات” لمواجهة صعود الصين.
جولة الوزير الأمريكي التي تعد الأولى له منذ توليه منصبه في 22 كانون الثاني، جاءت تحت هذا العنوان العريض ولاسيما أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن سيلتحق بأوستن في طوكيو وسيئول حيث سيجريان محادثات مع نظيريهما الياباني والكوري الجنوبي أملاً في تشكيل “ردع موثوق به” أمام الصين.
أوستن كان أعلن قبيل بدء الجولة أنه سيتوجه إلى آسيا لمناقشة سبل تعزيز التعاون العسكري في المنطقة مع حلفاء الولايات المتحدة لمواجهة الصين.
وبدأ الوزير الأمريكي في هاواي، مقر القيادة العسكرية الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (إندوباكوم)، جولة تستمر أسبوعاً ستقوده إلى طوكيو وسيئول ونيودلهي، ليكون بذلك قد اختار آسيا في أول رحلة خارجية له.
وقال للصحفيين المرافقين له: “إنها مسألة تحالفات وشراكات”. وأضاف: “الأمر يتعلق أيضاً بتعزيز قدرتنا”، مذكراً بأنه بينما كانت الولايات المتحدة تركز على “مكافحة الجهاديين” في الشرق الأوسط حسب قوله، كانت الصين تُحدث جيشها في سرعة عالية.
وأشار إلى أن “ميزتنا التنافسية قد تآكلت؛ لا تزال لدينا ميزة ولكننا سنقويها”. وتابع: “هدفنا هو التأكد من أن لدينا القدرات والخطط والمفاهيم العملياتية لنكون قادرين على توفير ردع موثوق أمام الصين أو أي جهة تريد مهاجمة الولايات المتحدة”.
وأردف: “ما أريده أنا ووزير الخارجية هو البدء في تعزيز هذه التحالفات؛ الاستماع وفهم وجهة نظرهم (…) بهدف التعاون معهم لكي نتأكد من أننا نعزز الاستقرار الإقليمي”.
وبالعودة إلى وثيقة الدليل الإستراتيجي المؤقت ولمعرفة مدى الاهتمام الأمريكي بما تشكله بكين وموسكو من تحديات أمام إدارة بايدن، فإن وثيقة الدليل والذي يقع في 24 صفحة جاء ذكر “الصين” فيه بشكل مباشر 18 مرة، وذكرت روسيا ست مرات، منها مرّات جُمع فيه البلدان في سياق متصل، وأخرى بشكل منفصل تماماً للحديث عن كل دولة على حدة وطبيعة “التهديد” الذي تشكله للرؤية والمصالح الأميركية.
يذكر أن جولة الوزيرين الأمريكيين، في آسيا تأتي، في أعقاب قمة غير مسبوقة للتحالف “الرباعي” على أعلى مستوى منذ تأسيسه في العقد الماضي لمواجهة صعود الصين.
حيث عقد الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة الماضي اجتماعاً مع رؤساء حكومات أستراليا والهند واليابان؛ سعياً منه لتكثيف جهود تعزيز التحالفات، وسط ما سموه تصاعد المخاوف إزاء توسع الصين.
كما وتأتي جولة الوزيرين الأمريكيين قبل الاجتماع الأول في آلاسكا لفريق بايدن مع المسؤولين في الخارجية الصينية يانغ جيشي ووانغ يي.