أجمل ما كتبَ أبي يوماً في مذكراته وأحتفظُ به في وجداني مثل نجمة مضيئة هو الجملة التالية: الحبّ مرضٌ في الذاكرة!
غريبةٌ ودقيقة هذه الفكرة/ العبارة كما لو أنها تختزن حكمة الصوفيين، والمرعب أكثر هو كيف – في غياب من نحب – تتعطل آلية عمل الذاكرة، كيف تفقد الأشياء معنى أن تصبح ذكريات!
أستعيد هذه الجمل الآن في هذا الزمان لأننا في مواجهة البشاعة ووقائع الأيام التي تمر علينا بسبب الحرب والحصار الظالم على بلدنا مثل قطع الليل المظلمة ومع انتشار ظاهرة “التطنيش” و”الفخار يكسر بعضو” … أمام هذا التسونامي المرعب للأسعار وانمساخ قدرة السوريين الشهيرة تاريخياً على مجادلة ومماحكة ومفاصلة البياعين… لم يعد ينفع معنا إلا الاستلقاء على غيمات الخيال الجامح وابتلاع آخر ما تبقى في كيس صبرنا من حبّات المحبة الشافية والعيش ضمن فقاعة الذكريات الزهرية الخاصة بكلّ واحد فينا.
أما عن أعمق ذكرياتي التي أستعين بها كلما ضربني مخلب الخوف من فقدان الأحبة فهي عيون أمي وهي توقظني صباحاً لألتهم – بجوع مزمن إلى الحنان- فطائر الصاج التي أعدتها لي بصبر الأمهات القديسات، وأما أكثر الذكريات إلحاحاً على مخيلتي السينمائية فهي حين أيقظني أبي ذات يوم وقال لي: أفِق يا جواد يا بني وشاهد جمال الفجر معي، ثم صبّ لي كأس شاي ساخن وفتح الشباك الخشبي وترك لنسائم الفجر الربيعية أن تنعش قلبي ومخيلتي بما لا ينسى.
المحبة لكلّ أبٍ وأمّ في يوم المرأة العالمي لأنهما نبض قلبٍ يفقد معنى وجوده من دونهما.